Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 59-59)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يُذكِّرنا الحق سبحانه بهذه الحقيقة التي طالما تغيب عن الأذهان ، وكان يجب عليكم ألاَّ تغفلوا عنها ، لأن المسألة ليستْ مجرد علم بشيء ، إنما المسألة أبعد من ذلك ، إنه احتياط لما سيحدث ولما سيأتيكم . { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ } [ غافر : 59 ] أي : القيامة { لاَّ رَيْبَ فِيهَا } [ غافر : 59 ] لا شكَّ ، وما دام أن الساعة آتية لا شكّ فيها فلا بدَّ أن نستعدّ لها ، فلو كنتَ قد خُلقت وتُركتَ هكذا وانفلتَّ من الله لكانَ لك أنْ تفعل ما تشاء ، لكن ماذا وأنت لك مرجع إلى ربك ومردٌّ إلى خالقك ، وموقفٌ للحساب والجزاء ؟ إذن : لا مفر لك من أن تحمي آخرتك ، وهي الغاية العظمى التي ليس بعدها بعد . وقوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ غافر : 59 ] أي : لا يعلمون هذه الحقائق أو يغفلون عنها ، مع أن العقل المجرد لا بدَّ أنْ يهتدي ويعتقد بوجود الساعة والحساب والجزاء ، لماذا ؟ لأنك حين تنظر إلى الكون تجد المرتبط فيه بمنهج افعل ولا تفعل ، ويسير وفْق هذا المنهج تجده مُؤدَّباً مع الكون مِنْ حوله لا يأتي منه فساد ولا تعدٍّ ، وتجد المنحلَّ الذي انفلتَ من هذا المنهج مصدرَ إزعاج وفساد للكون من حوله ، فهل يستويان في العقل مجرد العقل ؟ هل يستوي المصلح والمفسد ؟ مَنْ عربد في الكون وآذى خَلْق الله وأتعب الدنيا كلها ومَنْ أصلح الكون وأسعد الناس وأعانهم ؟ ثم ألسْنَا في عملية التعليم نُجري للتلاميذ اختبارات آخر العام ونقول : هذا ناجح ، وهذا راسب ؟ ألسنا نضع في دنيانا قواعدَ للثواب والعقاب تقضي بمكافأة المحسن ومعاقبة المسيء ؟ إذن : فلماذا ننكر الحساب يوم القيامة يوم يُجازى كُلٌّ بما عمل ، حتى الناس الذين لا يؤمنون بالآخرة يؤمنون بمبدأ الثواب والعقاب ، وعندهم عقوبات على الجرائم ضد المجتمع لتأديب الخارجين على القانون ، فإذا كنتَ في دنياك جعلتَ العقوبات وجرَّمت بعض الأفعال وعاقبتَ عليها لتستقيم حركة حياتك الدنيا ، فلم تنكر هذا المبدأ مع الله في الآخرة ؟ أيُعقل أن تكون حركة الناس جميعاً في الدنيا من أولها إلى آخرها متروكة هكذا دون حساب ، دون ثواب للمحسن وعقاب للمسيء . والله ، لو كان الأمر كما يدَّعُون وينكرون فقد فاز المنحرفون المجرمون ، وربح المخالفون الخارجون على القانون والدين ، حيث فعلوا ما فعلوا ، وظلموا ما ظلموا ، وأفلتوا بجرائمهم ، وما خسر في هذه الصفقة إلا المؤمنون والمستقيمون الذين ألزموا أنفسهم بمنهج دون فائدة . وقوله تعالى : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ غافر : 59 ] . يعني : أن المسألة ليستْ قائمة على العقل إنما على الإيمان ، فلو تركتْ للعقل لقلنا ما قلناه الآن ، لكن أمرَ الساعة قائمٌ على الإيمان والعقيدة ، والذي يريد ألاَّ يرتبط بالإيمان وأنْ ينفلت من قيوده يريد ألاَّ يقيد حركته في الوجود بمنهج افعل ولا تفعل ، يريد أن يكون حُرّا يسير في الحياة على هواه . لذلك قلنا : إن الذين عبدوا الشجر والحجر عبدوها لأنها آلهة لا منهج لها ولا تكاليف ، وهذه العبادة في معناها باطلة ، لأن العبادةَ تعني : طاعة العابد لأمر المعبود ، فهذه الآلهة التي تزعمونها بِمَ أمرتكم ؟ وعمَّ نهتكم ؟ ماذا أعدَّتْ لمن عبدها ؟ وماذا أعدتْ لمن كفر بها ؟ إذن : أنتم ما ارتضيتُم هذه الآلهة إلا لتسيروا في الحياة بلا قيود ، وبلا تكاليف ، وبلا منهج وبلا ضابط لشهواتكم .