Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 60-60)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى { رَبُّكُـمُ } [ غافر : 60 ] من تولى تربيتكم ، والتربية هنا تعني الإيجاد من العدم والإمداد من عُدْم ، وما دام هو ربي فأنا مسئولٌ منه يضمن لي رزقي وعيشي في الدنيا ، وقبل ذلك أعطاني الجوارح التي تعمل ، والأعضاء التي بها أعيش ، فهو ربي وخالقي الذي استدعاني للكون ، ووفَّر لي فيه أسبابَ الحياة . لذلك لما أراد سبحانه أنْ يجعل نموذجاً في الكون جعله بحيث يتعاطف الكونُ مع ذاته ويتكامل في نفسه ، فجعل هذا قوياً ، وهذا ضعيفاً ، هذا صحيحاً وهذا مريضاً . فالقوي حركته في الحياة حركة كاملة قوية تزيد عن حاجته ، وقال له : ما زاد عن حاجتك اجعله للضعيف الذي لا يقدر على الحركة ، والخالق سبحانه قادر على جَعْل الناس جميعاً أقوياء ، لكن أراد أنْ يرتبط الخَلْق في حركة الحياة ارتباطَ حاجة لا ارتباطَ تفضُّل لأن الارتباط لا يأتي بقانون التفضُّل ، فالتفضل لا إلزامَ فيه ، والمتفضل بالشيء حُرٌّ ، يفعل أو لا يفعل . وقوله : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] يعني : فيما عجزتُم عن أسبابه ولن تقدروا عليه ، ولم تجدوا من بيئتكم عَوْناً عليه ، فليس لكم إلا التوجُّه إليَّ تدعونني ، فأستجيب { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ } [ النمل : 62 ] فأنا ربكم وخالقكم استدعيتُكم إلى الوجود ومنحتكم الأسباب والجوارح ، واستخلفتم في الأرض ، فليس لكم ملجأ غيري تلجأون إليه إنْ عزَّت عليكم الأسباب . أما إنْ كانت الأسبابُ ميسَّرة لكم ، وقام كلُّ مكلَّف بدوره ، فلا تتركوا الأسباب وتقولوا : يا ربّ ، عليكم بما في أيديكم من الأسباب أولاً ، زاولوها فإنْ ضاقتْ بكم فاذهبوا إلى المسبِّب . لكن نلحظ في هذه المسألة أن الله تعالى أمرنا بالدعاء ووعدنا الإجابة ، ومع ذلك منا مَنْ يدعو فلا يُستجاب له ، فلماذا ؟ قالوا : لأنك تدعو وأنت غير مُضطر ، فلو كنتَ في حالة الاضطرار لاستُجيبَ لك . أنت تسكن في مسكن محترم وتدعو الله أن يكون لك فيلا أو قصر ، فإنْ أعطاك القصر قلت : أريد عمارة تصرف على القصر ، هذا دعاء عن ترف لا عن اضطرار ، والإجابة هنا مشروطة بالمضطر . والحق سبحانه وتعالى لا يُعفي عبداً عن مسئولية استطراق النفع للعباد ، قالوا : لأن الواجد يبذل ، وغير الواجد ينصح الواجد ، فإنْ نصحت دون جدوى فلن تبرأ ذمتك حتى بعد ذلك . ولو قرأتَ القرآن تجد قوله تعالى : { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 91 ] . متى هذا ؟ قالوا : إذا لم يكن عندك مال لا بدَّ أنْ تنصح { إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } [ التوبة : 91 ] نصحت ولم يستجب لك . قالوا : اقدر على نفسك ، كيف ؟ { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } [ التوبة : 92 ] فهل أعفى أحداً ؟ لا بل حثَّ الجميع على أنْ يفعلوا : إما بذل المال ، وإما بذل المقال ، فإذا لم تستطع هذا ولا ذاك فيجب أنْ تحزن لأنك لم تشارك ، ولا يكفي هنا الألم الوجداني ، بل لا بدَّ أنْ يصحبه انفعال عاطفي ينتج عنه بكاء ، تبكي أنك لم تجد شيئاً تنفقه في سبيل الله . إذن : المسألة استطراق نفعي في الكون ، هذا الاستطراق لا يدعُ أحداً منا في حاجة . وبعد ذلك نقول له : أأنت فقير عَجْز أم احتراف ؟ إنْ كان فقير احتراف لا يُحسب ولا يُؤْبه له ، وإن كان فقير عجز فله أنْ يجلس في بيته مُعززاً مكرَّماً ، والغني هو الذي يذهب إليه ويعطيه حقَّه ، فالقادر إذن أصبح في خدمة غير القادر . وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر : 60 ] معنى : { يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } [ غافر : 60 ] أي : عن دعائي والذلة لي ، وإظهار الحاجة إليّ ، لذلك قال أهل المعرفة : لا يكُنْ حظك من الدعاء أنْ تُجاب ، لكن اجعل حظك من الدعاء ذلةَ محتاجٍ لمن معه الخير ، هذه هي معنى العبادة هنا ؟ لذلك تجد ربك عز وجل دائماً يُصحِّح لك خطأك في الدعاء : { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] . فقد تدعو أنت لنفسك بشرٍّ تحسبه خيراً ، ومن رحمة الله بك ألاّ يستجيب لك ، لذلك قلنا في الثناء على الله تعالى : سبحانك يا مَنْ تُصوِّب خطأ الداعين بألاَّ تستجيب ، وبذلك حميتنا من الضر ، فكم يدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير . وقلنا في ذلك : ما حال المرأة التي نسمعها تدعو على ولدها تقول : إلهي أشرب نارك ؟ فمن رحمة الله بها ألاَّ يستجيب لها ، إذن في المنع هنا عطاء . لكم لماذا { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر : 60 ] أي : منكسرين صاغرين أذلاء ، قالوا : لأنك لا تدعو واحداً إلا إذا كنتَ مطيعاً له ، لأن الدعاء والعبادة متساويان ، لذلك قال صلى الله عليه وسلم : " كل أمر لا يُبدأ باسم الله فهو أبتر " يعني : لا بركة فيه . وعلمنا أن نقول : بسم الله الرحمن الرحيم . يعني : أنا أبدأ عملي ببسم الله لكي تكون يد الله معي في الفعل ، فما معنى الرحمن الرحيم هنا ؟ قالوا : ربما كانت عاصياً فأذكر له سبحانه صفة الرحمة ، لأنه سبحانه لا يتخلَّى عن عبده حتى لو كان عاصياً ، فهؤلاء سيدخلون النار داخرين أذلاء لأنهم استنكفوا أنْ يدعو الله واستكبروا عن عبادته ، فالنار جزاء الاستكبار .