Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 6-6)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
حَقَّتْ أي : وجبتْ وثبتت ولم يأت واقع لينقضها ، لماذا ؟ لأن الذي قالها يعلم ما يكون بعدها ، وخاصة إذا كان الذين يعملون لهم اختيار في أنْ يعملوا أو لا يعملوا . فالله تعالى قالها وحكم بها عليهم وهم في بحبوحة الدنيا وفي زمن الاختيار ، ومع ذلك لم يخالفوها ، وهنا موضع العظمة في كلام الله ، العظمة أنْ أتحداك في أمر لك فيه اختيار ، ومع ذلك لا تخرج عما حكمت عليك به . ومثل هذا قلناه في قوله تعالى في شأن أبي لهب وزوجته : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [ المسد : 1 - 5 ] . فالحق سبحانه وتعالى حكم عليهما بالكفر ، وأن مصيرهما النار مع أن الإيمان والكفر أمر وكَلَ اللهُ اختياره للعبد بدليل أن أمثال أبي لهب من كفار مكة أسلموا مثل : خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعكرمة وغيرهم ، وكان في إمكان أبي لهب بعد أن نزلت هذه السورة أنْ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، يقولها ولو نفاقاً ، لكن لم يحدث وصدق فيه قول الله تعالى . وهذه المسألة شرحها الحق سبحانه في قوله : { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ … } [ الأنفال : 24 ] فقلبه يُحدِّثه بالشيء إنما العظمة الإلهية تحوله عنه . لذلك قال تعالى لأم موسى : { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ … } [ القصص : 7 ] فالقياس العقلي لا يقبل هذا الحل وأي عاقل يقول : إن المرأة إذا خافت على وليدها تلقيه في البحر ؟ لكن هنا أم موسى لم تسمع لصوت العقل ولا تأثرتْ بعاطفتها نحو وليدها ، إنما سمعت لقول ربها ، سمعت لهذا الوارد الأعلى الذي لا يعارضه أيُّ وارد شيطاني أسفل فلم تتردد أبداً في أنْ تلقي بوليدها في البحر ، لأن الله تعالى حَالَ بينها وبين عاطفة قلبها . كذلك الحال في قصة سيدنا موسى مع فرعون ، فقد أخبر الكهنة فرعون أن زوال مُلْكه سيكون على يد غلام من بني إسرائيل ، فماذا فعل فرعون - لتعلموا كيف كانت عقلية الذين ادَّعَوْا الألوهية ، وكيف أن الله تعالى يحول بين المرء وقلبه ، ماذا فعل فرعون ؟ راح يبحث عن الأطفال ويقتلهم ، وهو لا يعلم أن الله يدَّخر له هذا الغلام فيأتيه ويطرق بابه وهو في مهده على الهيئة التي تعرفونها ، ومع ذلك يطمئن إليه ويتخذه ولداً له ، وتقول زوجته { قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ … } [ القصص : 9 ] فيأخذه ويُربِّيه في بيته ، هذا معنى { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ … } [ الأنفال : 24 ] . إذن : فقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } [ غافر : 6 ] ما حقتْ عليهم بقهر وجبروت ، إنما حقَّتْ عليهم باختيار منهم ، والحق سبحانه وتعالى بعلمه الأزلي علم اختيارهم ، فحكم عليهم بسابق علمه فيهم ، ولا يمكن أنْ يأتي واقعٌ يخالف هذا الحكم لأن المتكلم بهذا الكلام هو الله . وسبق أنْ أوضحنا أن الكلمة تُطلق على اللفظ المفرد ، وتُطلق على الكلام ومن ذلك قوله تعالى : { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا … } [ المؤمنون : 100 ] وقوله سبحانه في الذين قالوا { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً … } [ يونس : 68 ] قال : { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } [ الكهف : 5 ] ونحن نسمي الخطبة الطويلة كلمة . فالكلمة التي حقَّتْ ووجبتْ وثبتتْ ليسَت مطلق كلمة ، إنما هي { كَلِمَةُ رَبِّكَ … } [ غافر : 6 ] وكلمة الله لا بدَّ أنْ تحقّ ولا بدَّ أنْ تثبت ، وما كان الله تعالى ليقول كلمة ، ثم يأتي واقع الأحداث ويكذبها ، والكلمة التي حقّتْ على الذين كفروا هي { أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } [ غافر : 6 ] .