Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 73-74)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تأمل هذا التبكيت للمشركين في هذا الموقف العصيب : أين شركاؤكم الذين أشركتموهم مع الله ؟ ادعوهم فليدفعوا عنكم هذا العذاب ، والله إنْ كانوا عبدوا أشخاصاً أمثالهم فسوف يروْنَهُم وقد سبقوهم إلى النار ، وإنْ كانوا عبدوا حجارة فسيروْنَها أمامهم وقوداً لجهنم . لذلك هم الذين سيقولون : { ضَـلُّواْ عَنَّا … } [ غافر : 74 ] يعني : لم يهتدوا إلينا ولم يعرفوا طريقنا ، ثم يروْنَ أن الموقف أكبر من شركائهم فيكذبون { بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً … } [ غافر : 74 ] سبحان الله يكذبون حتى في هذا الموقف ، كما سبق أنْ أقسموا بالله أنهم ما أشركوا : { قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . لذلك يقول تعالى يصف هؤلاء الكذبة : { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 46 ] إذن : فهم أَلفُوا الكذب ، حتى إن موقف الحساب لم يردعهم عنه فيقولون : { لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً … } [ غافر : 74 ] يعني : ما أشركنا مع الله أحداً ، وقد يكونون صادقين في هذا لأنهم لم يدعوا هذه الآلهة لأنهم يعرفون أنها لا تضر ولا تنفع ، وما عبدوها إلا ليُرضوا رغبة التديُّن عندهم بآلهة لا منهجَ لها ولا تكاليف . { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } [ غافر : 74 ] نعم الحق لا يُضل أيّ إنسان إنما يضل مَنْ كفر ، فمَنْ كفر كيف يهديه الله ؟ سبق أنْ مثَّلنا لذلك ولله المثل الأعلى قلنا : إن رجل المرور مثلاً حين تسأله عن الطريق يدلُّك ، فإنِ اعترضتَ عليه ولم تطاوعه أو سخرتَ من رأيه . وقلتَ له : أنت لا تعرف هذا المكان . تركك وتخلَّى عن إرشادك ، فإنْ أذعنتَ لرأيه وشكرته على صنيعه معك قال لك : لكن والله أمامك هناك على بُعد كذا كيلو عقبة أو تحويلة ، سأذهب معك حتى تمرّ منها ، إذن : هداه أولاً بالدلالة ، فكشره أنه هداه فلمَّا شكره استحقَّ معونته . كذلك الحق سبحانه وتعالى يقول : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] وهنا { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } [ غافر : 74 ] أي : الذين لا يستحقون الهداية ، لذلك قلنا أن مَنْ عشق الكفر وركن إليه واختاره لنفسه ، يقول الله له : أنا رَبٌّ أعطيك ما تريد ، وما دُمْت أحببتَ الكفر فسوف أُعينك عليه وأختم على قلبك ، بحيث لا يدخله الإيمانُ ، ولا يخرج منه الكفر .