Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 75-75)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ذَلِكُمْ } إشارة إلى ما وقع بهم من العذاب بالأغلال والسلاسل والنار ، سببه { بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } [ غافر : 75 ] . الفرح : انبساط النفس بما يسرُّها ويُسعدها ، لكن الفرح الحقيقي أن تسعد وتسر بما يُعينها على غايتها الأصيلة ، فهناك فرح بأيِّ شيء ربما كان بالمعصية ، وفرح بحق هو أنْ تفرح بما يُعينك على غايتك ، أما الشيء الذي لا يعينني على هذه الغاية ، بل يصادمها ، فهذه لذَّة عابرة تعقبها حسراتٌ ربما تفوق أضعاف اللذة التي حصلتْ من هذا الشيء . واقرأ مثلاً في الفرح الحقيقي قوله تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ … } [ آل عمران : 169 - 170 ] . نعم هذا هو الفرح بحقٍّ ، بل يتعدَّى الفرح للآخرين : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ آل عمران : 170 ] فهذا فرح يتعدَّاك إلى غيرك فرح حقيقي ، لأنه يحقق الغاية الأصيلة في الوجود . ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس : 58 ] هذا فرح بالفضل وبالرحمة من الله لا بعملهم ، وهذا فرح مشروع . ومن الفرح المشروع : { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ … } [ الرعد : 36 ] لأنه جاء مُصدِّقاً لما معهم ومُؤيداً لمنطقهم في الحق ، وهذا تفرح به لأنه يُعينك على الغاية الأصيلة في الوجود . ويقول تعالى : { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ … } [ الروم : 1 - 5 ] فكم فرح مشروع إذن ؟ فرح الشهداء بفضل الله وبرحمته ، وفرح الذين أُوتوا الكتاب برسول الله ، وفرح المؤمنين بنصرة منهج السماء على منهج الأرض . وما عدا الفرح المشروع فرح أحمق ، ومنه قوله تعالى عن الكافرين : { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ * قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا … } [ التوبة : 50 - 51 ] يعني : ما أًصابنا من الله محسوب لنا لا علينا . وقال : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [ آل عمران : 120 ] . وقال تعالى أيضاً في الفرح غير المشروع أو الأحمق كما قلنا : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً … } [ الأنعام : 44 ] . وقال تعالى : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ … } [ آل عمران : 188 ] يفرحون بأنهم آذوا المؤمنين وسخروا منهم { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ آل عمران : 188 ] . وقال : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } [ هود : 9 - 10 ] . وقال : { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [ المؤمنون : 53 ] . وما دامت قد تعددت الأحزاب ، وفَرِح كُلٌّ بما عنده ، فهو فرح باطل غير مشروع . وقال أيضاً : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [ القصص : 76 ] . إذن : عندنا فرح مشروع في أربعة مواضع ، وفي تسعة مواضع ، فرح غير محمود وغير مشروع . هنا يقول تعالى : { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ … } [ غافر : 75 ] هذا دليلٌ على أن هناك فرحاً بالحق وفرحاً بغير الحق { وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } [ غافر : 75 ] المرح : هو المبالغة في الفرح والسَّيْر به في بَطَر وتفاخر وخيلاء .