Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 17-17)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هنا وقفة لعلماء الكلام { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ … } [ فصلت : 17 ] الهُدَى هو الدلالة على طريق الخير الموصِّل إلى غاية خير ، نقول دلَّه على الطريق ، وحين تدل الناس منهم مَنْ يستمع لك ويطيعك ، ومنهم مَنْ لا يستمع إليك ، فالأول تزيده هداية وإرشاداً حتى يصل إلى غايته ، والآخر تتخلى عنه . لذلك قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] أي : اهتدوا لطريق الدلالة . زادهم هدىً . أي : بالمعونة والتوفيق للعمل الصالح وكراهية عمل الشر ، إذن : هناك هداية للدلالة ، وهداية للتوفيق والمعونة . وهل تعين إلا مَنْ أطاعك وآمن بك ؟ وسبق أنْ ضربنا لذلك مثلاً برجل المرور الذي يقف على مفترق الطرق ، وتحتاج إلى أن تسأله عن الطريق الذي تقصده ، يقول لك : الطريق من هنا ، فإن شكرته على صنيعه وتوجهتَ إلى الطريق الذي دلَّك عليه زادك إرشاداً وبيَّن لك ما في الطريق من عقبات أو مصاعب . وربما صحبك حتى تمرَّ من هذه الصعاب . فأنت سألته فدلَّكَ فاتبعْتَ دلالته وشكرته فقال : أنت أهلٌ لمعونتي وإرشادي ، أما إنْ خالفتَ رأيه وسِرْتَ في طريق آخر غير طريق دلالته فلا بُدَّ أنْ يتخلى عنك ، وأنْ يدعك وشأنك . كذلك الحق سبحانه وتعالى يدل الجميع على طريق الخير ، كل الخلق دلَّهم الله ، فمَنْ أطاع في هداية الدلالة كان أهلاً للزيادة ، وأهلاً لهداية المعونة والتوفيق ، ومَنْ عصى وخالف في هداية الدلالة لم يكُنْ أهلاً لهداية المعونة . كذلك كان شأن ثمود { فَهَدَيْنَاهُمْ … } [ فصلت : 17 ] هداية دلالة { فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ … } [ فصلت : 17 ] أي : استحبُّوا العمى عن فعل الخير ، لأنهم ارتاحوا للمخالفة وأرادوا الخروج من قيود التكاليف الشرعية ، وإلا لماذا عبدوا الأصنام وهم يعلمون ما هي ، وصنعوها بأيديهم ؟ عبدوها لأن في عبادتها إرضاءً للنفس بأنْ يكون لها إله تعبده ، وما أجملَ أنْ يكون هذا الإله بلا تكاليف وبلا منهج بافعل ولا تفعل ، إذن : مشقة تكاليف الطاعة وحلاوة إتيان المعصية تأتي من التكليف ، فإن وُجدَ إله بلا تكاليف مالتْ إليه النفس وأحبته ، لأن ذلك يُرضِي غريزة الفطرة الإيمانية في الإنسان ، وهو أن كلَّ إنسان آمن بالعهدة الأول في مرحلة الذر { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ … } [ الأعراف : 172 ] . إذن : فبضعة الإيمان في كل إنسان موجودة فيه من عهد الذر ، ولكن يختلف الناسُ في قبول التكاليف والمنهج ، فمن الناس مَنْ يرى في المنهج قيْداً لشهواته ، فلا يرتاح إليه ويسعى إلى التديّن الخالي من التكليف كهؤلاء الذين استحبوا العمى على الهدى ، ومن الناس مَنْ يحب الهداية والطاعة ويرتاح إلى المنهج ويأنس به . وتأمل قوله تعالى : { فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ … } [ فصلت : 17 ] استحبَّ غير أحب . استحبَّ يعني : تكلّف حبه ، وهذا دليل أنه شيء لا يُحبّ أصلاً وطبيعة . لكنه تكلف حبه ليحقق مراده من الشهوة ، ولك أنْ تنظر إلى أيِّ سيئة نهاك الله عنها وهَبْهَا أنها واقعة عليك ، هل تحبها ؟ لا تحبها ، إذن : هي لا تُحَبُّ . وفي موضع آخر ، لما تكلَّم الحق سبحانه عن المؤمنين قال عنهم : { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ … } [ البقرة : 5 ] وعلى تدل على الاستعلاء ، فكأنهم مستوون على الهدى ، وكأنه دابة يركبونها توصِّلهم إلى غايتهم ، فالهدى لم يأتِ ليشق عليكم ، إنما جاء ليحملكم ويُوصِّلكم إلى غاية الخير ، فالمؤمنون على الهدى فوقه يوصلهم ، ليس الهدى فوقهم يشق عليهم أو يكلفهم ما لا يطيقون ، فالهدى إذن خدمة لكم وفي مصلحتكم . وحين تتبع لفظة على في القرآن الكريم تجدها لا بدَّ أنْ تعطي الحكم من باب القوة والفضل ، فمثلاً قوله تعالى : { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } [ الإنسان : 8 ] بعض المفسرين قال : على حبه يعني : مع حبه فجعل على بمعنى مع ، وهذا مخالف للصواب لأن الإنسان لا يحب الطعام إلا إذا كان جائعاً ، أما الشبعان فلا يلتفت للطعام . فالمعنى : ويُطعمون الطعام رغم أنهم في حاجة إليه ، فكأن الجوع يطلب أنْ تأكل لكن حبّ الخير والصدقة يعلو عندك على الجوع وحب الطعام ، لماذا ؟ لأنك قدَّرْتَ الجزاء الأوفى عليه ، وما دُمْتَ قدَّرت الجزاء الأوفى على إطعام الطعام ، فقد غَلبتَ حبك للطعام وعلوت عليه ، لذلك قال سبحانه : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ … } [ الحشر : 9 ] . كذلك في قوله تعالى : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ … } [ إبراهيم : 39 ] على هنا لا تعني وهب لي مع أنّي كبير لا أصلح للإنجاب ، إنما المعنى : وهب لي على الكِبَر ، فكأن الكبر ضعف يقتضي عدم الإنجاب ، ولكن هبة الله وفضله علا على الضعف وعلا على الكبر كما جعل زكريا ينجب يحيى عليهما السلام ! ! كذلك في قوله تعالى : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ … } [ الرعد : 6 ] فكأن الظلم كان يقتضي العقوبة ، لكن مغفرة الله عَلَتْ على الظلم . ثم يقول سبحانه : { فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ فصلت : 17 ] الصاعقة قلنا : هي كلُّ ما يصعق ويدمر ، سواء كان بالريح أو النار ، أو الصيحة المدمرة ، والعذاب الهون أي : المصحوب بالإهانة والخزي { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ فصلت : 17 ] يعني : وقع لهم هذا بسبب ما كسبوا ، وما اقترفته أيديهم . يعني : جزاءً وفاقاً ، لا ظلماً وعدواناً .