Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 16-16)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وُصِفَت ريح العذاب هنا بأنها صرصر هكذا من مقطعين صرصر ، وهناك صِرّ مقطع واحد . وهي الريح الشديد المزعج الذي يهدد ويكون فيه برودة شديدة ، والبرودة من شأنها شدة الرطوبة التي تُجفف إلى درجة الإحراق . وهذه الظاهرة يعرفها الفلاحون في فصل الشتاء عندما يشتد البرد لدرجة أنه يحرق الزرع . وهكذا يجمع اللهُ فعلَ النار في الماء لأن الحق سبحانه لم يخلق الكون بحركة ميكانيكية ثابتة ، إنما خلقه بصفة القيومية التي تجمع بين الأضداد ، أرأيتم لموسى عليه السلام حينما ضرب بعصاه الماء ، فصار كل فِرْقٍ كالطوْد العظيم ، وجمع الله بين الشيء ونقيضه في وقت واحد ، كذلك ضرب الجبل فانفجرتْ منه اثنتا عشرة عيناً ، وفي قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام ألقاه القوم في النار ، فجعلها عليه برداً وسلاماً ، وعطَّل فيها قانون الإحراق . فالصّر هي الريح الشديد المزعج ، لكن يهبُّ لمرة واحدة ، فإنْ تكرر فهو صرصر { فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ … } [ فصلت : 16 ] النحس : هو الشؤم ، وحينما يأتي اليوم بشيء من الشر يتشاءمون منه ، وكما قال في موضع آخر : { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً … } [ الحاقة : 7 ] يعني : حاسمة تستأصلهم ، وتنتهي منهم . أي : سبع ليالٍ وثمانية أيام حاسمة ، حسمتْ الجدل بين الرسل وبين المكابرين المعاندين . وفي الشعر العربي قال الشاعر : @ أَوْقِدْ فَإنَّ الليلَ ليْلُ قَرّ والريح يا غُلامُ رِيحٌ صرُّ عَلَّ يَرَى نَارَكَ مَنْ يمُرُّ إنْ جَلَبْتَ ضَيْفاً فَأنتَ حُرّ @@ { لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا … } [ فصلت : 16 ] هناك عذاب يؤلم ، وعذاب يخزي ويهين المتكبر ، ليس الغرض منه الإيلام ، إنما الإهانة والخزي والذلة ، لأنه تكبَّر بلا رصيد ذاتي عنده ، ولو عذَّبناه عذاباً يؤلم ربما تحمّل الألم ، لذلك نعذبه عذاباً يخزيه ويُرغم أنفه ويهدم كبرياءه ، فالخزي في تأديب النفس أقوى من الإيلام في الحسِّ . ومعلوم أن من الناس مَنْ يؤذيه الاستهزاء به والسخرية منه أكثر مما يؤلمه الضرب الحسي . وهذا الخزي وهذه الإهانة { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا … } [ فصلت : 16 ] أمَّا الآخرة فلها شأنٌ آخر في الآخرة أخزى ، لأن الخزي في الدنيا له وقت ينتهي فيه . أمَّا في الآخرة فخزيٌ دائمٌ باقٍ فهو مُعذَّب وخزيان { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ … } [ فصلت : 16 ] لأنه دائم مستمرٌّ { وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } [ فصلت : 16 ] يعني : لن يأخذ أحد بأيديهم ، ولن ينجيهم من العذاب شيء ، فلا أملَ لهم في النصرة ، فهم لا ينصرون ولا يردُّون . لذلك قلنا في الحشر : إن الحق سبحانه يحشر الناسَ جميعاً مرة واحدة ، لا يكونون على هيئة طابور مثلاً ، كلٌّ ينتظر دوره ، إنما يُحشرون جميعاً بعضهم مع بعض ، الظالم والمظلوم ، والتابع والمتبوع ، وهو يقطع أملَ الكافرين في النجاة ، فربما انتظروا قادتهم لينقذوهم لذلك قال تعالى في شأن فرعون : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ … } [ هود : 98 ] أي : يتقدمهم ويسبقهم إلى النار .