Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 19-20)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحشر : يعني جمع المختلفين ، والمختلفون كان فيهم التابع والمتبوع ، ضالِّين ومضلين ، لا بدَّ أنْ يجمعهم الله جميعاً في وقت واحد يتقدمهم الزعماء ورؤوس الكفر . { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } [ مريم : 69 ] يعني : نأتي بالفتوات ونقدمهم إلى النار قبل الضعفاء ، وكأن الله يقول لهم : هؤلاء قادتكم يسبقونكم إلى النار ، يعني : لا أملَ لكم في النجاة ، حتى الوحوش يجمعها الله ويجمع المختلفين منها . { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } [ التكوير : 5 ] والوحوش هي الحيوانات غير المستأنسة كالأسد والنمر وغيره ، وكأن الحق سبحانه يريد أن يقول لنا : أنا الذي أذلل لك الخلق ، ولولا أنني ذللته لك ما استطعتَ أنت تذليله ، نعم ذلَّل لك الجمل رغم حجمه الكبير ، لكن لم يذلل لك الثعبان الصغير { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [ يس : 71 - 72 ] . والله لولا أن الله ذلَّل لنا هذه المخلوقات ما انتفعنا منها بشيء ، لذلك نقول على غير المذلل : حيوان متوحش ، ألاَ ترى الطفل والولد الصغير يقود الجمل الكبير ويحمله ويُنيخه ويُسيِّره حيث يريد ، وأنت يزعجك البرغوث الصغير في الفراش ويمنعك النوم ، إنها رسالة من الخالق سبحانه بأن الأمر أمرُ تذليل من الله . { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } [ فصلت : 19 ] في الدنيا الوحوش تفر من الإنسان ، ونحن نفرُّ من الوحوش ، أما في القيامة فيجمع الله الجميع معاً في موقف واحد ، كيف ؟ لأنه لم يَعُدْ لأحد منا قوة تصرُّف { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] فلما صار الملك لله لم يَبْق فينا نحن المخلوقين تفاوت قوة تستضعف . وقوله { فَهُمْ يُوزَعُونَ } [ فصلت : 19 ] يعني : يُساقون ويُقادون جميعاً إلى النار من أولهم إلى آخرهم { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ فصلت : 20 ] . الله … السمع وظيفة الأذن ، والإبصار وظيفة العين ، والأنف للشم ، والكف للمس ، فكل جارحة من جوارح الإنسان لها مهمة في حياته ، لكن لم يذكر الحق منها هنا إلا ثلاثة فقط : السمع ، والأبصار والجلود . ولم يذكر اليد ولا الأنف . قالوا : لأن التكليف في أمر الأنف نادر وقليل ، كأنْ تشمّ رائحة الخمر مثلاً ، والعياذ بالله ، أو تشم رائحة امرأة متعطرة ، إذن : فالأنف دوره محدود ، أما السمع فهو أهم الحواس ، لأنك تستقبل به الدعوة إلى الله ، والبصر هو الذي تبصر به آيات الله في كونه وعجائبه في خَلْقه . أما الجلود فعامة في السمع والبصر وفي كل الحواس ، فكأن الجلد أعمّ شيء في الحس ، ولذلك لم بحثوا في وظائف الأعضاء ليعرفوا مهمة كل عضو في الإنسان وجدوا أهمها الجلد ، لأنه وسيلة الإحساس بالألم خاصة في الطبقة الخارجية منه ، ألاَ ترى أنك مثلاً حين تأخذ حقنة تشعر بألم الإبرة حين تدخل جسمك وتخترق الجلد ، تؤلمك بقدر نفاذها في الجلد كأنَّ الجلد هو محلُّ الإذاقة ، وما دام هو محل الإذاقة فهو إذن مستوعب لجميع الحواس . ولذلك يقول الحق سبحانه : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ … } [ النساء : 56 ] إذن : فالجلد محلّ إذاقة العذاب والعياذ بالله ، وهو المستوعب لكلِّ الحواس .