Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 21-21)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هم يتعجبون كيف تشهد عليهم جلودهم وهي منهم ، والسؤال هنا كان ينبغي أنْ يكون عن الكيفية : كيف شهدتم علينا لا عن السبب ، فالسؤال بهذه الصيغة غير وارد ليدل هذا على التضارب في الكلام . وكان الجواب { قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ … } [ فصلت : 21 ] فالسؤال عن شيء والجواب عن شيء آخر فلو أجابوا عن السؤال : لم شهدتم علينا ؟ لقالوا : شهدنا عليكم لأننا أقوى حارس عليك في جميع الأوقات { قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ … } [ فصلت : 21 ] يعني : الأمر ليس بملكنا ، نحن لم نشهد من عندنا ، إنما أنطقنا الحقُّ بالحق ، ولا حيلة لنا في هذا . ومعنى { ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ … } [ فصلت : 21 ] أن كل شيء في الوجود له لغة خاصة به ، لغة يتكلم بها ، لغة تدل وتُفهم ، كما رأينا في قصة سيدنا سليمان لما تكلمتْ نملة وحذَّرتْ قومها ، وقالت : { ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ النمل : 18 ] . ودَلّ قول النملة على أن للنمل لغة يتفاهمون بها ، ودلَّ على يقظتها وعلى عدالتها في الحكم حين قالت : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ النمل : 18 ] . كذلك حديث الهدهد في نفس القصة حين قال : { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [ النمل : 22 ] ثم يتكلم بكلام في صُلْب العقيدة { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ … } [ النمل : 24 ] فالهدهد ليس مجرد متكلم بلغة ، إنما فاهم لأهمّ قضايا الإيمان ومسائل التوحيد . إذن : لكل شيء لغة ، لكن لا يعرفها إلا مَنْ علَّمه الله وأطلعه على هذه اللغة ، وهذا فضل الله يؤتيه مَنْ يشاء ، لذلك قال سيدنا سليمان { عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ … } [ النمل : 16 ] ولولا أن الله علّمه ما فهم عن الهدهد . كذلك في الجماد له لغة ، كما قال تعالى : { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } [ ص : 18 ] . لذلك يقول تعالى في إجمال هذه المسألة : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ … } [ الإسراء : 44 ] . وورد أن الحصى سبَّح في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن هذه معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، وقلنا في تصويب هذه المسألة : أن الحصى مُسبِّح في يد رسول الله كما هو مُسبِّح في يد أبي جهل ، فالصواب والمعجز أنْ نقول : سمع رسول الله تسبيح الحصى في يده ، هكذا يكون الكلام . بعض العلماء يقول عن هذا التسبيح أنه تسبيحُ دلالة على خالقها لا تسبيحٌ على الحقيقة ، وهذا كلام مخالف لنصِّ القرآن الكريم لأنه لو كان تسبيحَ دلالة كما تقول فقد فهمته والله يقول : { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ … } [ الإسراء : 44 ] إذن : فهو تسبيح على الحقيقة ، تسبيح بلغة لا يعلمها إلا خالقها ، أو مَنْ علَّمه الله واختصَّه بمزيد من فضله . والعجيب في مسألة الهدهد أنه ذكر سبباً واحداً لوجوب الإيمان بالله وتوحيده تعالى ، فقال : { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [ النمل : 25 ] فذكر الأمر الخاص به وهو إخراج خبأ الأرض ، ومعلوم أن للهدهد منقاراً طويلاً ، يُخرج به الدود من تحت سطح التربة ويتغذى عليه . وقوله : { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ فصلت : 21 ] يعني : لا تظنوا أن الله خلقكم وترككم هملاً ، إنما خلقكم لغاية ولا بدّ لكم من الرجوع إليه ، والمثول بين يديه يحاسبكم على النقير والقطمير ، والقليل والكثير ، ويجازيكم بأعمالكم فلن تنفلتوا منه سبحانه ، ستقفون بين يديه للحساب يُعدِّد عليكم نعمه ، ويرى مَنْ شكرها ومَنْ كفرها .