Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 36-36)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ومن رحمة الله بنا أنه سبحانه لم يتركنا نهباً لهذا العدو الذي يتربص بنا ، إنما أعطانا الحصانة التي نتحصَّن بها منه ، فقال تعالى : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ … } [ فصلت : 36 ] ذكَّره بالله القوي ، فإنْ كنتَ أنتَ ضعيفاً أمامه فاستعِنْ عليه بالإله القوي ، وساعةَ يراك في جنب الله لا يجرؤ أبداً عليك ، لأنك داخل في هؤلاء الذين استثناهم { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ ص : 83 ] . وانتبه أنه لن يأتيك إلا على الصراط المستقيم ليفسده عليك ، يأتيك في صلاتك ويُذكِّرك بما لم يكًُنْ لك على بال ، وبأهم الأمور عندك في الدنيا ، المهم عنده أنْ يفسد عليك الآخرة بأي ثمن . فإذا وجدتَ في نفسك شيئاً من نَزْغه ووسوسته فقل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قُلْها في كل حال يأتيك فيه إبليس وأنت تصلي ، وأنت تقرأ القرآن ، وأنت في أيّ عبادة من العبادات . لك أنْ تقول هذه الكلمة وهي لا تُخرجك من عبادتك على أيِّ حال ، وعندما تداوم على هذه الكلمة سييأس منك ويبتعد عنك ، ويعرف أنك صَلْبٌ قويٌّ تستمد قوتك من الله ، عندها سينصرف عنك ، ولم لا وأنت تعرف ألاعيبه وتكشف حيله ؟ لكن الخيبة أن كثيرين منا ينساقون وراء الشيطان ، ويُسْلمون له قيادهم ، وما يفعله الشيطان مع هؤلاء أنه يعطيهم أول الخيط ويتركهم هم يكرُّون الباقي دون جهد منه ودون عناء ، وهؤلاء هم الذين استزلَّهم الشيطان وأخضع رقابهم ، فهم يسيرون في رَكْبه دون تفكير أو تأمُّل . هَبْ أن لصاً جاء يحوم حول بيتك ، فقلت : إحم ، تريد أن تُسمعه ويعرف أنك يقظ ، لا بدَّ أنه ينصرف ، وقد يعتبر أنها مصادفة فيعاود مرة أخرى فتقول : إحم ، إذن : ليست مصادفة بل أنت له بالمرصاد فأنت متيقظ ، لذلك ينصرف عنك بلا رجعة ، كذلك الشيطان . قلنا : من غباء إبليس وغفلته أنْ يعلن لنا عن خططه في غواية بني آدم ويعلن عن أساليبه ، والغباء يكون أعظم لمن عرف هذه الخطط وهذه الأساليب ، وانساقَ وراءها ولم يأخذ الحيْطة . وحين نتأمل قول إبليس : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ … } [ الأعراف : 17 ] تلحظ أنه ترك جهتين لم يذكر أنه يأتي منهما : جهة أعلى وجهة أسفل ، لماذا ؟ قالوا : لأن العلُو جهة التوجه إلى الله ، جهة عِزِّ الربوبية ، وجهة الأسفل تمثل ذُلَّ العبودية ساعة تسجد لله ذلاً وخضوعاً له سبحانه ، فهاتان الجهتان لا يأتي منهما الشيطان . وقوله : { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [ فصلت : 36 ] الذي لا يغيب عن سَمْعه شيء ، فإنْ وسوس لك الشيطان بكلام سمعه وعلمه . بعد أن بيَّن لنا القرآن هذا البيان ، يعود ليلفتنا ثانياً إلى بعض آيات الله في الكون ، فبهذه الآيات نستدل على وجود الخالق سبحانه وعلى قدرته تعالى ، حيث لو جاءت هذه الآياتُ على أيدي علماء كافرين بالله إلا أننا ننتفع بها ، والله مساكين هؤلاء العلماء ينفعون البشرية كلها ولا ينفعون أنفسهم ، لأنهم - كما قلنا - لا ينطلقون في اختراعاتهم وابتكاراتهم من منطلق الإيمان بالإله تبارك وتعالى ، فهم كالمطايا ينتفع الناس بخيرهم ، ولا ينالهم من ذلك شيء ، اللهم إلا متاع الدنيا الزائل . وأقرب آيات للإنسان نفسه لو تأملها ، مثلاً درجة الحرارة الطبيعية للجسم 37 ْ تجدها ثابتة فيمَنْ يعيش عند خط الاستواء ، وفيمن يعيش عن القطب الشمالي ، وأنتم تعرفون نظرية الاستطراق الحراري ، لكن قدرة الله تحتفظ للجسم بهذه الدرجة بصرف النظر عن الجو المحيط به . ثم في داخل الجسم ذاته تجد حرارة الأعضاء مختلفة ، فالعين لا تزيد درجة حرارتها عن 9 ْ ، والكبد لا يؤدي مهمته إلا عند 40 ْ ، وهما في جسم واحد وغلاف واحد ، ومع ذلك لا يحدث استطراق للحرارة ، وهذه آية ومعجزة لا يقدر عليها إلا الخالق سبحانه . تأمل الدم سائل الحياة الذي يجري بداخلك لا بدَّ له من درجة سيولة معينة داخل الجسم ، فإنْ قلَّتْ هذه السيولة تجلط وحدث شلل للجزء الذي تحدث به الجلطة والعياذ بالله ، وإنْ زادتْ سيولته أدَّى إلى نزيف ، فمَنْ يحفظ له هذه الدرجة من السيولة ؟ الله ! ! ثم يقول الحق سبحانه : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ … } .