Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 39-39)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ما يزال السياق القرآني يأخذنا إلى الآيات الكونية التي تثبت قدرة الخالق سبحانه { وَمِنْ آيَاتِهِ … } [ فصلت : 39 ] من هنا قلنا للتبعيض . يعني : هذه بعض آيات الله آياته أي : الكونية الدالة على قدرته تعالى ، وهي الشيء العجيب الدالّ على بديع الصنعة { أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً … } [ فصلت : 39 ] أي : ساكنة مستقرة لا شيء عليها من زرع مثلاً ، لأن الأرض خُلقت لتكون تربة للنبات ، وكأنَّ الأرض التي لا زرعَ عليها أرضٌ حزينةَ خاشعة ساكتة ساكنة لأنها لم تنبت ، وربما شابهت في ذلك المرأة التي لا تنجب . { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ … } [ فصلت : 39 ] اهتزَّتْ : تحركت وَرَبَتْ زادت وانتفشتْ ، تروْنَ حبة الفول النابت مثلاً تكون جافة جامدة ، فإذا بللتها بالماء زادتْ في الحجم وانتفشَتْ ، والمراد : اهتزتْ وتحركت بما يخرج منها من نبات . { إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا … } [ فصلت : 39 ] أي : أحيا هذه الأرض الساكنة بالنبات وحوَّلها إلى هذا البساط الأخضر النضر { لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ … } [ فصلت : 39 ] إذن : خُذْ من هذه الآية الحسّية المشاهدة لك دليلاً علَى صِدْق ما غاب عنك وأخبرك الله به من أمر إحياء الموتى ، فيا مَنْ تكذِّب بالبعث وإحياء الموتى ، أما لك عبرةٌ في إحياء الأرض القَفْر الجدباء بالنبات . { إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ فصلت : 39 ] يعني : قدرة الله فيها طلاقة ، لأنه سبحانه لا يعجزه شيء ، والذي خلق الخَلْق الأول من عدم أقدرُ على إعادته لأن بعث الميت يبعث شيئاً موجوداً وهذا أهون لو قلنا تجاوزاً في حَقِّ الله تعالى هيِّن وأهون ، لكي نفهم نحن ، يقول تعالى : { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ ق : 15 ] . الحق سبحانه وتعالى أخبرنا عن كيفية خَلْق الإنسان والذي يعرف كيفية البناء يعرف منها كيفية الهدم ، وقلنا : إنها عكس البناء ، فما بُنِي أولاً يُهدم آخراً ، وآخر شيء في البناء أول شيء في الهدم وهنا الروح . ولا بدَّ أن نذكر هنا أن الحق سبحانه حذَّرنا من المضلين الذين يضلون الناس في مسألة الخَلْق . فقال : لا تُصدِّقوا مَنْ يخبركم بشيء في هذا الموضوع لأنه لم يشهد عملية الخَلْق : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [ الكهف : 51 ] . إذن : فكان الذين قالوا إن الإنسان أصله قرد جنودٌ لهذه الآية ودليل على صدقها ، فالحق سبحانه يعلم ذلك ويتنبأ لنا به ، وها هو يحدث فلا تُصدِّقوهم ، إنهم كاذبون بدليل أن الإنسان عاش على هذه الأرض آلاف السنين لم يَرَ إنساناً تحوَّل إلى قرد ، ولا قرداً تحوَّل إلى إنسان . ولقد توصَّل العلم الحديث إلى صدق القرآن في مسألة خَلْق الإنسان من طين الأرض ، حيث وجدوا أن عناصر تكوين الإنسان هي نفس عناصر تكوين الأرض ، وهي ستة عشر عنصراً ، وحين يموت الإنسان تتحلَّل هذه العناصر وتذوب في الأرض ، فأجزاؤه موجودة يعلمها الله ويُحصيها وهو وحده القادر على إعادتها . واقرأ : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } [ ق : 4 ] فالمسألة صعبة بالنسبة لك ، لكنها سهلة هيِّنة على الخالق سبحانه ، فهو عز وجل يعلم كم نقص منك من عناصر ومقدار هذه العناصر ونحن بنو البشر نختلف في أشكالنا وألواننا ، لكن المادة واحدة هي الستة عشر عنصراً في الكل ، لكن الجزاء تختلف ، ونسبة هذه العناصر تختلف من إنسان لآخر ، ولذلك تختلف شخصياتنا . فقوله : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ … } [ ق : 4 ] يعني : كم أخذتْ منك من الأكسوجين ، وكم أخذت من الكربون ، وكم أخذت من الحديد … وهكذا فهي إذن مقادير معلومة في علم الله سبحانه وفي هذا الكتاب الحفيظ الذي يحفظ كل شيء بكل دقَّة ، وحفيظ فعيل يعني : صيغة مبالغة من الحفظ . فلا تُكذِّب بالبعث ، وخُذْ مما ترى دليلاً على صِدْق ما أخبرك ربُّك به من الغيبيات . قلنا : لو أن إنساناً يزِنُ مائة كيلو مثلاً ثم مرض ، فنزل وزنه إلى ستين ، فكم فقد من وزنه ؟ فقد أربعين ، أين هي ؟ نزلتْ فضلات إلى الأرض ، نعم ، ثم ذهب إلى الطبيب فعالجه وشفاه الله وبدأ يأكل حتى عاد إلى وزنه الأول . هل أخذ نفس العناصر ذاتها التي فقدها ؟ لا بل أخذ مثلها ، مثل المريض مثلاً بنقص الحديد فيعطيه الطبيب دواء غنياً بالحديد حتى تعتدل عنده نسبة الحديد في الدم ، إذن : أخذ نفس العناصر التي فقدها من عنصر الحديد ، لكن ليستْ هي هي التي فقدها من قبل .