Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 47-47)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : إلَيْه أي : إليه سبحانه وتعالى { يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [ فصلت : 47 ] الساعة هي القيامة وعِلْمها يعني وقتها ، وهذه من الأمور التي استأثر الله تعالى بعلمها ، ولم يُطلع عليها أحداً من خلقه { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 187 ] . وفي إخفاء وقت الساعة حِكم عظيمة ، أهمها ألاَّ يتكل الناسُ وأَلاَّ يتمادى أهل الباطل وأهل النزوات والشهوات في شهواتهم ، بل يستعد الجميع لها ، ويبادر الجميع بالأعمال الصالحة لأن أحداً لا يضمن ميعاد موته وخروجه من دنيا العمل إلى دار الحساب وقلنا : إنه مَنْ مات قامتْ قيامته . لذلك قلنا : إن الموقوتات العبادية لها زمنٌ من كذا إلى كذا ، فالظهر مثلاً من استواء الشمس إلى ظل المثلين ، والذي يصلي في كل هذه المدة أدَّى الفرض ، لكن يفضل المبادرة لماذا ؟ لأنك لا تضمن عمرك إلى آخر الوقت ، فربما أتتْك منيّتك بعد لحظة من دخول الوقت فتكون قد أثمتَ . لذلك لما سُئِلَ سيدنا رسول الله عن خير الأعمال قال : " الصلاة لوقتها " . وقال تعالى : { إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً } [ النساء : 103 ] كذلك في الحج ترى الرجل مُوسِراً وقادراً على تكاليف الحج ، لكنه لا يحج تسأله يقول لك : إنْ عشتُ لعام كذا وبعد كذا وكذا أحج ، سبحانه الله هل ضمنتَ عمرك أنْ تعيش إلى هذا الوقت ؟ فالحق سبحانه لحكمة أبهمَ وقت قيام الساعة ، وأبهم وقت الموت ، واستأثر سبحانه بعلمها ، والقيامة حَقٌّ والموت حَقٌّ وسَهْم أُرسِلَ إليك بالفعل ، وعمرك بقدر سفره ووصوله إليك . قالوا : وإبهام علم الساعة والأجل هو عَيْن البيان ، فإشاعته في الوقت كله تجعلك مُستعداً له تتوقعه وتنتظره في كل لحظة ، لذلك قال تعالى في سورة تبارك : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [ الملك : 1 - 2 ] . فقدّم الموت في الخلق على الحياة مع أن الحياة كائنة أولاً ، قدَّم الموت ليكون دائماً في الذِّهْن وعلى البال ، قدَّم الموت لتستقبل الحياة على حذر ولا تغتر بها ، تستقبل الحياة بمصاحبة نقيضها الموت ، لتنتظره في أيِّ لحظة . ومن رحمة الله بعباده أنْ جعل للقيامة علامات يُستدل بها على قُرْبها ، علامات صغرى وعلامات كبرى ليُخوِّف الناس ، ويُوقِظهم من غفلتهم عن الآخرة . وقوله { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا } [ فصلت : 47 ] الأكمام : جمع كِمّ . وهو القشرة الخضراء التي تغلف الثمرة ، ثم تنفلق قليلاً قليلاً لتخرج الثمرة منها ، كما ترى مثلاً الوردة قبل أن تتفتح تجدها داخل غلاف أخضر مغلق عليها كأنها مُغمضة ، ثم تتفتح وتخرج من هذا الغلاف . { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } [ فصلت : 47 ] هذه كلها من الأمور التي تغيب عن علم الناس لكنها لا تغيب عن علم الله ، كلمة { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ } [ فصلت : 47 ] الحمل معروف ، وهو التقاء البويضة الأنثوية بالحيوان المنوي للذكر ، ومن هذا الالتقاء يحدث الحمل ، وهو هِبَةٌ من الله على أية حال . قال الحق سبحانه وتعالى : { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } [ الشورى : 49 ] . فكأن العُقْمَ نفسه هبةٌ لمن تدبَّر وبحث عن الحكمة ، حين تنظر إلى الولد الذي قتل أباه أو قتل أمه ، والولد الذي جلب العار لأهله حتى تمنَّوا أن الموت يُريحهم منه ، حين تنظر في عقوق الأبناء تعرف أن العقمَ نعمة وهِبَةٌ من الله تستوجب الشكر كما تستوجبه نعمة الولد . ثم تجد السياق القرآني يُقدِّم الأنثى ، لأنها كانت مكروهة عند العرب قديماً وغير مرغوب فيها لذلك جعل الله منزلة خاصة لمن يُربي البنات ويحسن إليهن ، ولمن يحترم قدر الله في إنجاب البنات ، وكأن هاتفاً من الله يناديه : عبدي ما دُمْتَ قد قبلتَ هبتي ونعمتي ، وعِزَّتي وجلالي لآتينَّكَ لكل بنت منهن بزوج يحقق لك آمالك فيها ، ويكون أبرَّ لك من أبنائك . وفي مسألة الإنجاب هذه رأينا عجائب تؤكد قدرة الله تعالى وطلاقة هذه القدرة ، رأينا زوجينِ لم يُرزَقا الإنجاب فافترقَا ، ثم تزوَّج الرجل بأخرى فأنجب منها وتزوجتْ المرأة بآخر وأنجبتْ منه ، فكأن الإنجاب كان ممتنعاً بين هذين بالذات . ثم حين تتأمل القسمة العقلية لمسألة الخَلْق هذه ، تجد أن قدرة الله تعالى قد استوعبتْها بصورها الأربعة ، فالإنجاب الطبيعي يأتي من ذكر وأنثى ، لكن قدرة الله جاءتْ بآدم بلا زوج ولا زوجة ، وجاءتْ بحواء من أب بلا أم ، وجاءت بعيسى من أم بلا أب ، وقد يتوفر الأب والأم ولا يحدث الإنجاب ، هذه كلها صور تؤكد طلاقة القدرة الإلهية في مسألة الخَلْق . وقوله تعالى : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي } [ فصلت : 47 ] هو سبحانه الذي يقول شُرَكَآئِي أي : في زعمكم ، لأنه قال في موضع آخر { ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ الأنعام : 22 ] فأجابوا - والكلام هنا يحكي موقفاً من مواقف القيامة { قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ } [ فصلت : 47 ] يعني : أخبرناك وأعلمناك ، والأذن هي وسيلة السمع ، وإليها يصل الكلام ، ويحصل العلم فكأن الأذن هي أول وسائل العلم . لذلك قال تعالى عن الأرض : { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [ الانشقاق : 2 ] يعني : استمتعتْ للأوامر ، { قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ } [ فصلت : 47 ] أخبرناك { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } [ فصلت : 47 ] لا أحد منا يشهد أن لك شركاء ، فالحق سبحانه قال { شُرَكَآئِي } ولم ينفِ الشركاءَ لينفُوهم هم . فبعد فوات الأوان يُقرُّونَ بأن الله تعالى ليس له شريكٌ ، وكأن كلمة الشريك هذه لم تَرِدْ يوماً على لسان واحد منهم .