Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 46-46)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه يقرر هنا حقيقة واقعية ، يريد سبحانه للعباد أن يؤمنوا بها ، حتى يرسخ في أذهانهم أن كلاً منهم يعمل لصالح نفسه ، وأن إيمان المؤمنين لا يعود على الله تعالى بشيء ، ولا يزيده سبحانه صفة لم تكُنْ له . كذلك لا تضره معصية العاصين ، ولا جحد الجاحدين ، ولا إنكار المنكرين ، لأنه سبحانه مُستوْفٍ كلَّ صفات الجلال والجمال والكمال قبل أنْ يخلق هذا الخَلْق ، فالله تعالى ليس في حاجة أبداً إلى طاعة الطائعين ولا إيمان المؤمنين ، بل العباد هم المستفيدون من أعمالهم الصالحة . وما أمور التكاليف الشرعية إلا حرصاً من الله تعالى على خَلْقه ، ورحمةً من الصانع بصَنْعته ، فكُلُّ صانع يريد لصنعته الصلاح ، ويرْبأ بها عن الفساد وأسباب الهلكة . وتذكرون الحديث القُدسيّ : " يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، وشاهدكم وغائبكم ، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً ، ولو أنَّ أوَّلكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، وشاهدكم وغائبكم ، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ، ما نقص ذلك من مُلْكي إلا كما ينقص المخْيَط إذا أُدخِلَ البحر ذلك أني جواد ماجد ، عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إنما أمري لشيء إذا أردتُه أنْ أقول له : كُنْ فيكون " . إذن : أنتم أحرار ، يؤمن مَنْ يؤمن ، ويكفر مَنْ يكفر ، فكلٌّ مُجازَى بعمله { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ } [ فصلت : 46 ] هو المستفيد ، وليس لي من عمله شيء { وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] أي : على نفسه تحسب إساءته ، هذه قضية يقررها ربك عز وجل ، ولك أن تختار لنفسك ، وأنْ تُوردها المورد الذي يُسعدها لا الذي يُشقيها . ومن العجيب أن الإنسان بعد أنْ عرف هذه الحقيقة يورد نفسه موارد الهلاك ، لذلك وصفه الحق سبحانه بأنه ظلوم وجهول . والحق سبحانه حين ينذرنا بالعقوبة ، وحين يشددها ليس من حظه أنْ يُوقع هذه العقوبة بالعباد ، إنما أراد سبحانه أنْ يصرفنا نحن عن أسبابها ويُخوِّفنا منها حتى لا نقع فيها ، الله تعالى مُنزَّه عن الظلم { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] . إنه يُخوِّفك حمايةً لك ، بالله حين يقول لنا : مَنْ قتل يُقتل ، أيريد أنْ يقتل الناس ، أم يريد أنْ يحقن الدماء ويحفظها ؟ ومَنْ يقدم على القتل وهو يعرف أن مَنْ قتل يُقتل ؟ لذلك تجد القرآن في مسألة القوة العسكرية يقول : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ … } [ الأنفال : 60 ] . العجيب أن أعداء الإسلام يأخذون من هذه الآية دليلاً على أن الإسلام يؤيد الإرهاب لأنه ذكر كلمة تُرْهِبُونَ وهذا فَهْم خاطئ لأسلوب القرآن ، لأن معنى إعداد القوة التي ترهب أنني لا أريد المعركة ولا أريد المواجهة ، فحين يعرف عدوى أنِّي مستعد يخاف ولا يُقدِم على القتال . نسمعهم في المسائل العسكرية يقولون : توازن القوى ، هذا التوازن هو الذي يحفظ السلام في المجتمع الدولي كله ، وأيام كان في العالم قوتان متكافئتان هي روسيا وأمريكا كان هناك استقرارٌ عسكريٌّ ، فكلٌّ منهما تخشى الأخرى حتى كانوا يقولون على الحروب بينهما الحرب الباردة لكن لما تفككتْ قوة روسيا أصبح لأمريكا الغَلَبة ، فهي القوة الوحيدة الآن ، ونراها تعمل ما تريد دون رادع من قوة أخرى . إذن : نقول : الحق سبحانه وتعالى حين يأمرنا بإعداد القوة العسكرية لا يعني أنه سبحانه يدفعنا إلى ساحة القتال ، إنما يعني حفظ السلام بيننا وبين غيرنا ، ومعلوم أنك لا تُقدِم أبداً على مهاجمة مَنْ هو أقوى منك ، فالآية تريد السلام ، لا تريد الإرهاب كما يدَّعُون . وقوله سبحانه : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] كلمة ظَلاَّم على وزن فعَّال ، وهي صيغة مبالغة من ظالم مثل : قاتل وقتَّال ، والآية حينما تنفي صيغة المبالغة لا يقتضي ذلك نَفْيَ الأصل وهو ظالم ، فالوصف الأقلّ موجود ، لأنك لو قلت في الإثبات فلان علاَّم دلَّ ذلك على أنه عالم من باب أَوْلَى ، لكن في النفي لو قلت : فلان ليس بعلاَّم ، فلا يمنع أنْ يكون عالماً . إذن : فهل يعني نَفْي المبالغة ظلاَّم إثبات ظالم - تعالى الله عن الظلم - قالوا : لا ، لأن لفظ الآية { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] ولم يقل للعبد ، فصيغة المبالغة جاءت من تكرار الفعل . يعني : ظلم عبداً واحداً يعني ظالم ، فإنْ ظلم الكل فلا بدَّ أن عنده قوة كبيرة تُحوله إلى ظلاَّم . فنَفْي ظلاَّم بهذا المعنى نَفْيٌ لظالم أيضاً ، ثم مَنْ يريد أن يظلم يظلم على قدر قوته ، فعلى فَرْض أن الحق سبحانه وتعالى يظلم فهو ظلاَّم { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] . الحق سبحانه وتعالى حين ينفي صفة الظلم عن نفسه تعالى بعد قوله { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] كأنه يقول سبحانه : أنا حكَم عَدْلٌ بينكم وبين أنفسكم ، أجزي كل نفس بما عملت وبما سعَتْ دون ظلم ، فأنا أحكم لكم وعليكم ، فأنتم لستُمْ خصوماً لي .