Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 51-51)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } [ فصلت : 51 ] يعني : انصرف عن المنعِم سبحانه ، لأنه أخذ حاجته ونال بُغْيته ، وهذه الصفة كثيراً ما نجدها في البشر ، فالرجل يلجأ إليك في قضية من القضايا أو مشكلة من المشكلات ويقف ببابك صباحاً ومساءً ، فإذا قضيتَ حاجته ربما ينسى حتى أنْ يقول لك شكراً . ولقد أجاد الشاعر الذي صوَّر لنا هذه المسألة ، فقال : @ يَسيرُ ذَوُو الحَاجَاتِ خَلْفَكَ خُشَّعاً فَإِنْ أدْركُوهَا خَلَّفُوكَ وَهَرْولُوا وأَفَضلُهم مَنْ إنْ ذُكِرْتَ بِسَيِّىءٍ توقَّفْ لاَ يَنْفِي وَلاَ يَتقوَّلُ فَلا تَدعِ المعروف مهْما تنكَّروا فَإنَّ ثَوابَ الله أرْضَى وأَجْزَلُ @@ وتذكَّر دائماً أن الذين ينكرون يدك عليهم هم أربح الناس لك ، لأن الذي سيتولى الردَّ على جميلك هو الله عز وجل ، وعطاء الله على قَدْر الله ، وعطاء الناس على قَدْر الناس . لذلك رأينا سيدنا نوحاً عليه السلام يقول لقومه : { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } [ هود : 51 ] المعنى : أن العمل الذي أقوم به كان ينبغي أن تعطوني عليه أجراً ، إنما أنا لا أريد أجري منكم ، بل من ربي ، فهو القادر على أن يعطيني الجزاء ، ويُقدِّر علمي . ونلحظ في سياق هذه الآية التدرج في عملية الإعراض { أَعْرَضَ } يعني : انصرف بوجهه ، ثم { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } يعني استدار بظهره ، إذن : أعرض بوجهه ثم بجنبه ثم بظهره ، وهذا الترتيب تجده نفسه في قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } [ التوبة : 34 - 35 ] . قالوا : نزلت فيمَنْ ردَّ السائل المحتاج فأعرض عنه أولاً بوجهه ، ثم بجنبه ، ثم بظهره ، فكأن الجزاء من جنس العمل ، وبقدر الكنز يكون الكَيّ ، والعياذ بالله . وقوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } [ فصلت : 51 ] مسَّه مجرد مَسٍّ { فَذُو دُعَآءٍ } [ فصلت : 51 ] يعني هو صاحب دعاء { عَرِيضٍ } مستمر ونلحظ أنه لم يقُل دعاء طويل ، الشيء له طول وله عرض ، والطول أكبر من العرض ، لكن القرآن يستخدم العرض للدلالة على كِبَر الشيء كما في قوله تعالى في وصف الجنة : { عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } [ آل عمران : 133 ] فإذا كان عَرْضها السماوات والأرض وهي أوسع ما نراه ، فما بالك بطولها ؟