Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 14-14)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

البيئة المكيَّة كان بها كفار مكة وهم وثنيون يعبدون الأوثان ، وكان فيها أهل كتاب يهود أو نصارى ، وكان الخلاف بينهما قائماً ومستمراً ، ومن غيظ أهل الكتاب من الكفار كانوا يقولون لهم : لقد أطلَّ زمانُ نبي منكم سيأتي ونتبعه ونقتلكم به قتْل عاد وإرم . والحق سبحانه يخبر عن أهل الكتاب : { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ } أي : محمد { كَفَرُواْ بِهِ … } [ البقرة : 89 ] . نعم لقد بشرتْ الكتب السماوية بمجيء محمد وزمانه ومكانه ، وكان أهل الكتاب يعرفونه وعندهم أوصافه ، وقد اعترف منهم كثيرون بأن محمداً على الحق ، وأنه نبي مرسل ، ومن هؤلاء عبد الله ابن سلام . الحق سبحانه يقول عنهم وعن معرفتهم لرسول الله بأوصافه : { يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ … } [ البقرة : 146 ] لذلك يقول أحدهم : والله إني لأعرف محمداً كمعرفتي لابني ، ومعرفتي لمحمد أشد ، ذلك لأن أوصافه مذكورة في كتبهم . ومع ذلك لما جاءهم بالحق كفروا به وعاندوه . يقول تعالى : { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ … } [ الشورى : 14 ] أي : العلم به في كتبهم التي بشَّرتْ به وذكرتْ أوصافه { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ … } [ الشورى : 14 ] وهي وعْده سبحانه بإمهالهم { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى … } [ الشورى : 14 ] هو يوم القيامة ، { لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ … } [ الشورى : 14 ] أي حُكِم بينهم بهلاك الكافرين واستئصالهم ونجاة المؤمنين ، والحق سبحانه لم يقْضِ بإهلاكهم واستئصالهم ، بل أخَّرهم لأنه سيكون منهم مَنْ يؤمن ويصير جندياً من جنود الحق . { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } [ الشورى : 14 ] قوله تعالى : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ … } هم اليهود والنصارى المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ … } [ الشورى : 14 ] أي من كتابهم { مُرِيبٍ } [ الشورى : 14 ] يدعو إلى الريبة والتردد والحيرة ، ذلك لأنهم أخذوا في كتابهم مآخذ عدة أدت بهم إلى هذا الشك وإلى هذه الريبة . أولاً : نَسُوا بعضه كما أخبر الحق عنهم : { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ … } [ المائدة : 14 ] كما أخبر عن اليهود في الآية التي قبلها : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ … } [ المائدة : 13 ] . والنسيان يعني عدم الاهتمام بالمنسيِّ ، فلو كان مهماً لكانَ على بالهم دائماً وفي بؤرة اهتمامهم ، وما لم يُنْسَ من الكتاب تناولوه بالتحريف ، ولو كان لهم عذر في النسيان ، فما عذرهم في التحريف ؟ ثم بعد ذلك كتموا ما أنزل الله ، قال تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [ آل عمران : 187 ] . ويا ليتهم وقفوا بمسخ كتابهم عند هذا الحد ، إنما تمادوا في مسخه إلى أنْ يؤلفوا الكلام من عند أنفسهم ، ويقولون هو من عند الله ، قال تعالى في حقهم : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [ البقرة : 79 ] .