Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 15-15)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الإشارة في قوله تعالى : { فَلِذَلِكَ … } [ الشورى : 15 ] إشارة للكلام السابق ، فلأنهم تفرقوا واختلفوا وكتموا الكتاب وحرفوه ، ما داموا فعلوا ذلك ، فقُمْ أنت بمهمة الدعوة لتصلح ما أفسد هؤلاء ، وتقيم ميزان الحياة بالحق وبالعدل ، وترد هؤلاء عَمَّا هم فيه . ولاحظ هنا أن التعبير يجمع بين القول والعمل { فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ … } [ الشورى : 15 ] يعني : ليكُنْ قولك موافقاً لحركتك ، كما قال في موضع آخر : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ … } [ فصلت : 30 ] . وسبق أنْ قلنا : إن الخط المستقيم هو أقرب طريق بين نقطتين ، فاستقم يعني كُنْ على الجادة وعلى الطريق السَّويِّ ، وقد سمَّاه القرآن الصراطَ المستقيم وسمَّاه سواء السبيل وهو الذي يُوصِّلك إلى غايتك من أقرب طريق . فكأن الحق سبحانه حينما يأمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بذلك إنما يقول له : استقم ، لأن استقامتك على المنهج الذي جئتَ به أدْعَى إلى القبول وإلى تصديقك والاستماع لك . ومعلومٌ أن التعليم والنصح بالعمل أجْدَى وأنفع من الكلام النظري لذلك لما سأل أحد الصحابة رسول الله فقال : يا رسول الله ، قُلْ لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك قال له : " قُلْ آمنتُ بالله ثم استقم " . وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم . وبعد أنْ أمره ربُّه بالاستقامة على منهج الحق نهاه عن اتباع أهواء القوم : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ … } [ الشورى : 15 ] فالهوى سبيل الاختلاف والتفرق ، ومن هذه الأهواء قولهم لرسول الله : تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، وفيها نزلت سورة الكافرون : { وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ … } [ الشورى : 15 ] كتاب هنا نكرة أفادتْ الشمول ، يعني : آمنتُ بكل كتاب أنزله الله من قبل . وكأنها رسالة إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى : لماذا آمنتم بالديانات السابقة عليكم ، ولم تؤمنوا برسالة محمد ، وهي ديانة كباقي الديانات ، إذن : لكم سوابق في الإيمان ، فلماذا وقفتم عند رسالتي وكذبتم ؟ كذَّبوا لأن عندهم مسائل يجادلون بها الضعاف من المسلمين . مثلاً يقولون لهم : ديننا أقدم من دينكم ، وكتابنا أقدم من كتابكم ، ورسولنا أقدم من رسولكم ، وقرآنكم يشهد لنا ، ألم يقل القرآن : { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } [ البقرة : 122 ] فنحن إذن مُفضلون على العالمين بشهادة القرآن . والأفضلية هنا ليستْ على إطلاقها ، بل هي مُقيدة بزمانهم . يعني : فضلتكم على العالمين من أهل زمانكم ، وإلا كانوا أفضل من إبراهيم وإسحاق ، وهم لا يقولون بذلك . وقوله تعالى : { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ … } [ الشورى : 15 ] العدل أنْ تزن بميزان غير جائر ، فكل واحد منهم يأخذ حقه ، وأنْ يكون الجميع أمامك سواسية ، فمثلاً لا تَنْهَ واحداً وتترك الآخر ، ولا تفضل أحداً على أحد في مرآك ولا في مجلسك ولا في نظرك . لذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس بين أصحابه يُوزِّع نظره عليهم جميعاً ، فلا يهتم بواحد دون الآخر . فالجميع أمامه سواسية ، ولو اهتم لواحد بعينه لظنّ أن له أفضلية أو سلطة زمنية أو قوة مركزية ، أبداً كانوا جميعاً في نظره سواء ، هذه كلها من عدالته صلى الله عليه وسلم بين الناس . وقوله : { ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ … } [ الشورى : 15 ] يعني : ليس ربنا وحدنا ، إنما هو ربكم أيضاً ، وما دام ربنا وربكم فلا بد أن تكون التربية واحدة لنا جميعاً ، وقد أنزل لكم منهجاً له زمن ، وأنزل عليَّ منهجاً خاتماً . ومن كمال التربية : { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ … } [ الشورى : 15 ] فكلٌّ مُجازَى بعمله { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ … } [ الشورى : 15 ] لا حجاج ولا جدال ، لماذا ؟ لأن الجدل معهم يوصل إلى اللدد والعناد والخصومة ولا يُوصل إلى الحق ، والمعنى : أننا لن نلتقي فكُلٌّ منا له طريق . والحق سبحانه قد تناول هذه المسألة في سورة الكافرون : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [ الكافرون : 1 - 6 ] . إذن : لا مجالَ للجدال لأن المسألة منتهية ، الآن علَّمتنا السياسة أن الدول قد تختلف فتقطع العلاقات بينها وبين بعض ، ثم تضطرهم ظروف الحياة إلى إعادة العلاقات مرة أخرى وإلى التصالح ، أما في مسألة الإيمان والكفر فهما نقيضان لا يمكن أبداً أن يلتقيا . لذلك لما تدقق في سورة الكافرون تجدها تنفي هذا الالتقاء في الحاضر الآن وفي المستقبل ، اقرأ : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [ الكافرون : 1 - 3 ] أي : في الحاضر { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [ الكافرون : 4 - 6 ] أي : في المستقبل . وقوله : { ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ الشورى : 15 ] يعني : ما دُمْنا لم نجتمع على الحق في الدنيا فسوف يجمعنا الله جميعاً يوم القيامة للحساب ، حيث يجازى كلاً بعمله ، ويعطى كل ذي حَقٍّ حقه ، وكوْنك تردُّ الأمر في الحكومة إلى عادلٍ ، فهذا دليل على أنك على الحق ، وكفى بالله حكماً { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ الشورى : 15 ] المرجع والمآب .