Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 5-5)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ … } [ الشورى : 5 ] أي : تقترب وتوشك { يَتَفَطَّرْنَ } [ الشورى : 5 ] يتشققن إما هيبة لله ومن عظمته سبحانه ، كما ورد في الحديث الشريف : " أطتْ السماء وحُقَّ لها أن تئط " وإما تشققت غضباً من الذين قالوا اتخذ الله ولداً . { مِن فَوْقِهِنَّ … } [ الشورى : 5 ] يجوز من فوق ملائكة الملأ الأعلى ، حيث هيبة الملائكة من الله ، وتعظيمهم له سبحانه ، أو من فوق الأرض حيث البشر أصحاب الذنوب والذين قالوا اتخذ الله ولداً ، لأن الحق سبحانه ردَّ عليهم : { لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } [ مريم : 89 ] أي : عجيباً وغريباً لا يقبله العقل { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً } [ مريم : 90 ] . فالولد إنما يُطلب إنا للمعونة في وقت الضعف والشيخوخة ، وإما لبقاء الذكْر ، وهذه أمور لا تجوز ، ولا تنبغي للحق سبحانه لأنه غَنِي عنها ، لذلك قال تعالى : { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [ مريم : 92 ] أي : أن الحق سبحانه لو أراد أن يتخذ ولداً لفعل ، حيث لا يمنعه من ذلك مانع ، إنما جلال الله وعظمته وقيوميته تعالى لا ينبغي لها ذلك ، لا يجوز ولا يصح أنْ يكون له ولد ، ونَفْي الانبغاء يدل على الكمال . ومثال ذلك قوله تعالى في شأن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } [ يس : 69 ] عندما اتهمه الكفار بأنه شاعر ، والمعنى : أنه لا يقول الشعر ليس لأنه عاجز عن قوله ، بل عنده أدوات الشعر ويستطيعه ، لكنه لا ينبغي أنْ يقوله ولا يصح ، لأن الله يُعده لأمر أعظم من شعركم . فقوله سبحانه { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [ مريم : 92 ] تأكيد أنه تعالى لو أراد له ولداً لفعل ، لكن هذا أمر لا ينبغي في حقه تعالى لأنه مُنزَّه عنه ، لذلك قال في موضع آخر : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] يعني : على فرض أنِ اتخذ ولداً فسأكون أول المؤمنين به . وقوله : { وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } [ الشورى : 5 ] الملائكة من الغيبيات ، والسماء والأرض من الحسيات ، فالحسيات غاضبة تكاد تتشقق من هذا القول ، أما الملائكة فيسبحون بحمد ربهم ويُنزِّهونه عن اتخاذ الولد ، وجاء التسبيح قبل التحميد ، التسبيح يعني نفي المماثلة لأيِّ كائن مَنْ كان ، أما التحميد فيجب لله تعالى على نعمه ومنحه ، فالتسبيح أوْلَى من التحميد ومُقدَّم عليه . وقوله تعالى : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 5 ] فهم لا يستغفرون لأنفسهم ، بل يستغفرون لمن في الأرض ، وهذا يعني أنهم بلا ذنوب ، ولو كان لهم ذنوب لاستغفروا لأنفسهم من باب أوْلَى . والاستغفار هنا عام لكل مَنْ في الأرض بما فيهم الكفار . وفي موضع آخر قال : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } [ غافر : 7 ] أما هنا فقال : { لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 5 ] فشمل الجميع ، والاستغفار لغير المؤمنين طلب المغفرة لهم وطلب الهداية ، وأنْ يلهمهم الله الإيمان به . أما الحديث الشريف الذي ورد فيه : " ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وينادي مَنَاد من قِبَل الله تعالى يقول : اللهم أعطِ منفقاً خلفاً ، وأعط ممسكاً تلفاً " . قالوا : الدعاء بالتلف للممسك هنا لا يتعارض مع استغفار الملائكة لمن في الأرض ، لأن المنفق يستغني عن ماله وينفقه في سبيل الله ، فحبه لله تعالى أعظم من حبه للمال ، أما الممسك فيحب ماله ويبخل به ، وحين يدعو عليك الملَك بالتلف فإنما ليُخلصه من مال صرفه عن الله ، فتلَفُ هذا المال نعمة أو مصيبة يُثَاب عليها . إذن : هو دعاء بالخير في كلتا الحالتين . { أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيم } [ الشورى : 5 ] قلنا : إن ألا أداة استفتاح وتنبيه ، لأن المتكلم حُرٌّ يتكلم متى شاء ، أما السامع فليس حراً في السماع ، وقد يغفل عن سماع بعض الكلام ، لذلك ينبغي للمتكلم أنْ ينبه السامع وأن يُخرجه من غفلته ، لا سيما إنْ كان الكلام مهماً يحرص على أنْ يسمعه السامع دون أنْ يفوته منه شيء ، لذلك يقول ألا في البداية يعني : انتبه واسمع مني . ومن ذلك قول الشاعر الجاهلي : @ أَلاَ هُبِّي بصَحْنِكِ فَاصْبحينَا وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الأَنْدرِينَا @@ وتذييل الآية : { أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيم } [ الشورى : 5 ] يناسب مسألة استغفار الملائكة لمن في الأرض ويقول لك : انتبه فالذي تستغفره غفور ورحيم ، غفور يغفر الذنب ويمحو آثاره ورحيم : يعني يرحمك بعده من الوقوع في ذنب آخر .