Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 4-4)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : لله تعالى ما في السماوات وما في الأرض ملكاً لا يتصرف فيه الخليفة ، هذه منطقة حرام أنْ يتصرَّف أحد في مُلْك هو لله تعالى وحده ، إنما يتصرف الخليفة فيما دون ذلك من الأحداث . وحين نستقرئ هذه الآية وأمثالها في القرآن نجد الحق سبحانه يقول مرة : { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 4 ] ويقول مرة : { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ النحل : 52 ] ذلك لأن الخلق متفاوت ، فهناك خلْق موجود في السماء وفي الأرض وهم الملائكة ، وهناك خلق للسماء فقط ، هم الملائكة العالون وهناك خَلْق للأرض فقط هم : الجن والإنس . فحين يقول : { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 4 ] يذكر الجنسين ، وحين يقول : { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ النحل : 52 ] يذكر الجنس المشترك بينهما . نفهم من ذلك أن الكون الذي نعيش فيه ليس مِلْكاً لأحد على الحقيقة ، فالملكية لله تعالى وإنْ ملَّك بعضاً شيئاً فهو موقوت ، ومن باطن ملكه تعالى حتى لا يغترَّ أصحابُ الأملاك بأملاكهم ، أنت مجرد خليفة لستَ مالكاً ، هذه الأرض عبارة عن ملعب نحن جميعاً فقط نلعب فيه ولا يملكه منا أحد { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ المائدة : 120 ] . وقالوا : اللام للملك كما في : القلم لزيد . وللاختصاص كما لو قلتَ : الحبل للفرس ، فالفرس لا يملك الحبل إنما يملكه صاحب الفرس ، فالحبل يخص الفرس . وفي قوله تعالى : { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 4 ] تفيد المعنيين ، فهي للملك وللاختصاص أو القصر بتقديم الخبر الجار والمجرور له ، فالملك هنا لله وحده لا يشاركه في ملكه أحد ، تقول : لزيد القلم يعني خاص به ومقصور عليه ، أما القلم لزيد يمكن أن تقول : ولعمرو . والهاء ضمير الغائب في له تعود على الحق سبحانه ، والغيبة هنا هي عين الظهور والحضور ، ومن عظمته سبحانه أنه غيب لا يُدرَك بالحواس { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الأنعام : 103 ] . فمن عظمته أنه غيب ، كما نقول : الحق هذه الكلمة التي يدعيها الجميع أنه على الحق ، وكذلك العدل … هذه معانٍ نتحدث عنها لكن لا نعرف ما هي ؟ ما شكلها ؟ فلو كنا لا ندرك مجرد المعاني العالية ، فكيف نطمع في إدراك ذات الحق سبحانه ؟ وفي موضع آخر قال سبحانه : { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الشورى : 49 ] إذن : فالله يملك السماوات والأرض ، وهي ظرف فيه أشياء هي أيضاً ملك لله { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 4 ] وما في السماء أثمن من السماء ، وما في الأرض أثمن من الأرض ، والعادة أن المظروف أنفسُ من الظرف الذي يحتويه . فكل ما في السماوات وما في الأرض مِلْكٌ لله ومُسخَّر لخدمة خليفته في أرضه ، فالحق سبحانه خلق لك قبل أنْ يخلقك ، وأعدَّ لك كَوْناً جاهزاً لاستقبالك فيه مُقوِّمات حياتك ، هذا قلنا : إنه عطاء الربوبية . فربك ربَّاك بالمنهج الذي أنزله من السماء على يد الرسل ، وحفظ له أسباب الحياة واستبقاء الحياة بماء ينزل من السماء ، وأرض تنبت لك مختلفَ الأطعمة والقوت ، وجعل لك الأنهار ، وجعل لك الهواء . وبهذه العناصر الثلاث يتم لك استبقاء الحياة وقلنا : من رحمته تعالى بخَلْقه أنْ جعل حاجتك للطعام ، غير حاجتك للشراب ، غير حاجتك للتنفس ، فالإنسان يصبر على الطعام مثلاً شهراً ، ويصبر على الماء عدة أيام ، لكنه لا يصبر على الهواء ولو لنِفَس واحد . لذلك ملَّك الله الطعام لبعض البشر ، فإنْ منعه عنك تعيش على المخزون في جسمك ، إلى أنْ تحتال عليه بأيِّ وسيلة ، وملَّك الماء قليلاً ، لأن الصبر عليه أقل من الصبر على الطعام ، أما الهواء فلم يُملكه لأحد ، تصور لو غضب عليك صاحب الهواء ، والله لمتَّ قبل أن تنال رضاه . وبعد ذلك أعطاك ترف الحياة وما تتحلى به وتتزيَّن ، لذلك قال عن البحر : { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } [ النحل : 14 ] وقال : { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً } [ الأعراف : 26 ] فالضروري في اللباس ما يستر العورة ثم يأتي الرياش ، وهو ما يكون للزينة . { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ } [ الأعراف : 26 ] لأن لباس الدنيا يستر عورتك . وتحميك في الدنيا ، أما لباس التقوى فيسترك في الدنيا وفي الآخرة ، ويعطيك حياة أخرى أبقى وأدوم . هذا كله من ملك الله الذي في الأرض ، فإنْ نظرتَ إلى أعلى تجد الهواء وهو نعمة في طياتها نِعَم كثيرة ، فالهواء عنصر هام في بقاء الحياة للكائنات الحية ، وهو المادة الموصّلة التي ينتقل بها الصوت والصورة التي نراها في التليفزيون مثلاً . ثم تأمل في السماء من شمس وقمر ونجوم وكواكب ومجرات ، كلها آيات كونية مِلْكٌ لله تعالى لا يتصرف فيها غيره سبحانه . { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ } [ الشورى : 4 ] العلي لا تعني أنه عَالٍ في المكان فقط ، إنما العلي يعني المتعالي عن كل شيء في الوجود { ٱلعَظِيمُ } أيضاً لا تعني ضخامة الحجم ، إنما العظيم بقيومته وقدرته وصفات كماله .