Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 7-7)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى كذلك أي : كهذا الوحي الذي سبق { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [ الشورى : 7 ] سُمي قرآناً لأنه مقروء ، وسُمِّي الكتاب لأنه مكتوب مُسطر في كتاب ، ووصِف بأنه عربي لأنه بحروف وبلسان عربي مبين ، وعربي منسوب إلى العرب ، وقلنا : إن اللغة ألفاظ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ، وأنها بنت المحاكاة ، فما سمعتْه الأذن يحكيه اللسان . وليست اللغة جنساً ولا دماً ، بدليل أن الولد العربي لو عاش في بيئة أجنبية يتكلم نفس لغتها ، لأن اللغة تقليد ومحاكاة تعتمد على التلقِّي والتقليد ، حتى في لغتك التي تتكلم بها يطرأ عليك اللفظ فلا تعرف معناه ، لماذا ؟ لأنك لم تسمعه من قبل . لذلك نقول : إن التلقين في اللغة دليل على صدق الحق سبحانه فيما قال : { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [ البقرة : 31 ] فالله تعالى هو أول معلم للبشر ، وإلا فمَنْ علَّم آدم الأسماء والحروف والكلمات ؟ بعض المستشرقين وقف عند هذه الآية ، وقال : كيف يكون القرآن عربياً وفيه كلمات كثيرة من غير العربية ، فيه من لغة الرومان ومن لغة الفرس والحبشة ؟ ونقول : معنى { قُرْآناً عَرَبِيّاً } [ الشورى : 7 ] أي : نزل بكلمات دارتْ على ألسنة العرب وتُدُووِلَتْ بينهم قبل نزول القرآن ، فصارت من لغتهم ، ثم كم هي هذه الكلمات بالنسبة لكلمات القرآن ؟ إذن : فالقرآن عربي ، والله تعالى يقول : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } [ إبراهيم : 4 ] يعني : يتلقون عنه ويفهمون منه ، وإلا ما تم البلاغ عن الله . فإنْ قلتَ : كيف ذلك ومحمد صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ للناس كافة في كل مكان ، وفي كل زمان ؟ نقول : هذه مهمة أمة محمد من بعده ، أنْ تتعلم هذه اللغات ، وأن تحمل إليها من دين الله في أيِّ مكان ، لأن محمداً خاتم الرسل وآخر الأنبياء ، فلا بدَّ أن تحمل الأمة من بعده هذه المهمة ، وأنْ تسيح بها في أنحاء العالم . فالقرآن نزل بالعربية لأنه سبحانه اختار العرب لحمل هذه الرسالة ، وسبق في موضع قريب أن تكلمنا عن اختيار العرب بالذات لهذه المهمة ، والحكمة من كَوْن رسول الله أمياً في أمة أمية ، وإذا كان القرآن معجزاً للعرب بلفظه وأسلوبه ، فهو معجز لغير العرب بمعناه ، ومعجز بآياته الكونية التي تظهر للناس وتبهرهم من حين لآخر . تصوَّروا لو أن محمداً كان متعلماً في أمة متعلمة ذات حضارة ، ماذا كانوا يقولون ، مع كثرة الكفرة والمعاندين والملحدين ، والله لو كان الأمر كذلك لقالوا : إن الإسلام قفزة حضارية كالتي حدثتْ في كثير من الأمم . إذن : نقول : الأمية عيب في كل أمي إلا في رسول الله فهي شرف ، لماذا ؟ لأنها تعني أنه تلقى كل علومه وكل ثقافاته من أعلى ، فهي شرف لارتقاء مصدرها إلى الحق سبحانه . والعجيب أن من أعداء الإسلام مَنْ يقول بأن محمداً كان متعلماً ، وهو الذي كتب القرآن من عنده سبحان الله ، أأنتم متعصبون لمحمد أكثر من أتباعه ؟ والقرآن صريح في الرد عليهم : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ العنكبوت : 48 ] . وبعد هذه الأمية جاء محمد صلى الله عليه وسلم بمنهج أخضع له حضارات العالم ، ودانتْ له أعظم حضارتين في هذا الزمن ، حضارة فارس في الشرق وحضارة الروم في الغرب ، أخضعها له لا بالقوة إنما بأساليبه ومعانيه الراقية التي تنظم حركة الحياة والمجتمع كله ، وتنظفه من كل القاذورات والسلبيات التي كانت منتشرة بين هؤلاء . وقوله تعالى : { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا } [ الشورى : 7 ] الإنذار هو الإخبار بشرٍّ قبل أوانه والتخويف به قبل موعده ، والحكمة أنني حين أخوفك من الأمر قبل حدوثه أعطيك فرصة لتتجنبه . { أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } [ الشورى : 7 ] هي مكة ، فهي أم القرى ، أو أصل القرى ، لأن بها أول بيت وُضِع للناس ، وآدم من الناس فالبيت إذن وُضِع قبل آدم لذلك فالقول الذي قال بأن الملائكة هي التي وضعتْ هذا البيت قول صحيح . والمراد بمن حولها : ما حول مكة من قرى وقبائل وتجمُّعات عربية ، ولأن مكة هي أم القرى وأصلها ، أخذت قريش مكان الصدارة بين قبائل العرب في شبه الجزيرة العربية ، وكانت قريش لها شرف خدمة البيت ، فهم سدنته القائمون على أمره تأتيهم كل القبائل في موسم الحج ، فتوفر لهم الأمن والحماية والمؤنة ، لذلك كانت قوافل قريش التجارية تحظى بالاهتمام والحماية في كل أنحاء الجزيرة في رحلتَي الشتاء والصيف . إذن : فالبيت هو الذي منح قريشاً هذه المهابة وهذه المنزلة ، يقول تعالى : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ قريش : 1 - 4 ] فسيادة قريش من سيادة البيت ومن جوارهم له وقيامهم على خدمة حجاجه ، ولو انهدم البيت لزالتْ مهابة قريش ، وفقدت هذه المكانة . وقوله تعالى : { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ الشورى : 7 ] أي : تخوفهم من هذا اليوم وهو يوم القيامة والجمع في هذا اليوم يكون من عدة وجوه : أولاً : البعث حيث يجمع بين الجسم والروح ، ويجمع الملائكة في الملأ الأعلى بالبشر ، ويجمع الظالم والمظلوم ، والتابع والمتبوع . ونلحظ على هذا التعبير القرآني { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } [ الشورى : 7 ] أنه سكت ولم يذكر مفعول الفعل تنذر وهو يتعدَّى إلى مفعولين كما في قوله تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } [ فصلت : 13 ] فذكر المخوف منه على العموم ولم يذكر مفعول أنذر لماذا ؟ لأنه سيأتي لها شرح آخر ، ففي قوله تعالى { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ … } [ غافر : 18 ] أي : أنذر الكافرين وهذا مفعول أول ، ويوم الجمع مفعول ثان . وقوله : { لاَ رَيْبَ } [ الشورى : 7 ] لا شك { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [ الشورى : 7 ] فما دام هناك تكليف فلا بدَّ أن توجد الطاعة ، وأن توجد المعصية ، الطائع يُثاب والعاصي يُعاقب ، وهذه سنة حتى عند البشر في أمور حياتهم ، بدليل أنهم جعلوا لها قانوناً للثواب والعقاب ، كذلك في يوم الجمْع الذي لا ريبَ فيه سيكون الناس على قسمين : فريق في الجنة ، وفريق في السعير . في اللغة أسلوب يُسمَّى الاحتباك أي : الأمر المحبوك ، وهو أن يحذف من الشيء ما يدل عليه غيره على التقابل ، ومن ذلك قوله تعالى : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ } [ آل عمران : 13 ] يعني : أمر عجيب { فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا } يعني في حرب { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 13 ] وهي الفئة المؤمنة { وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ } [ آل عمران : 13 ] أي : تقاتل في سبيل الشيطان . تأمل هذا النسق القرآني تجده حذف الوصف مؤمنة لأنه دلَّ عليها قوله { تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 13 ] وفي الأخرى ذكر الوصف كافرة وحذف المقابل أي تقاتل في سبيل الشيطان ، فحذف من إحديهما ما دلتْ عليه الأخرى بالتقابل ، وهذا يُسمى الاحتباك . وقوله تعالى : { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [ الشورى : 7 ] تفريق بعد الجمع في قوله : { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } [ الشورى : 7 ] والتفريق بعد الجمع أسلوب آخر من أساليب القرآن ، وهناك الجمع والتفريق والتقسيم . ومن ذلك قوله سبحانه : { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ هود : 105 ] هذا جمع { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [ هود : 105 ] هذا تفريق ، ثم يقسم ويُفصِّل القول في كل فريق : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 106 - 108 ] . لكن لماذا هذا التفريق { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [ الشورى : 7 ] قالوا : لأن الحق سبحانه خلق الخَلْق وخيَّرهم حين عرض عليهم الأمانة ، وهي أمانة التكليف في قوله تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] . يعني : تركنا لهم حرية الاختيار لحمل الأمانة فأشفقتْ كل المخلوقات من حملها ، فاختارت أنْ تكون مُسيَّرة يتصرف فيها ربها كيف شاء إلا الإنسان والجن ، فقد اختار حمل الأمانة . { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً } [ الأحزاب : 72 ] أي : لنفسه { جَهُولاً } بالعواقب ، لأنه قد تضمن نفسك ساعة التحمل ، لكنك لا تضمن ساعة الأداء ، فقد تحُول ظروفك بينك وبين أداء الأمانة ، فلأن الإنسانَ اختار حملَ الأمانة واختار الاختيار كان لا بدَّ أنْ يسأل عن أمانته ، وأنْ يحاسب عليها ، أحفِظَ أم ضيَّع ، وكان لا بدَّ له من دار جزاء وحساب ، ففريق في الجنة وفريق في السعير .