Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 12-12)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كلمة { ٱلأَزْوَاجَ … } [ الزخرف : 12 ] جمع : زوج . والزوج كما قلنا هو المفرد الذي معه مثله ، والزوجان كل متقابلين مثل : أبيض وأسود ، حُلو وحامض ، فوق وتحت ، يمين وشمال . والزوجية كما أخبر الحق سبحانه موجودة في كل شيء { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الذاريات : 49 ] ومنها ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه لذلك قال هنا { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا … } [ الزخرف : 12 ] كلمة { كُلَّهَا } أي : مما نعلمه كالذكر والأنثى ومما لا نعلمه . وأهل الفكر والتدبُّر يقفون عند هذه الآية يلتمسون ما فيها من حكمة ، فالحق سبحانه يمتنُّ بأنْ خلق الأزواج كلها ليُثبتَ لنا أنه سبحانه فرْد لا زوجَ معه ، فقانون الاستقصاء العلمي يقول : إن الزوج يعني الاثنين ، أو ما يقبل القسمة على اثنين . فحين نأخذ الترتيب من أوله نقول : إن الواحد الذي ليس له ثانٍ ، واثنان يعني واحداً انضمَّ له واحد آخر . إذن : الاثنان كرقم يحتاج إلى الواحد ، أما الواحد فلا يحتاج إلى شيء ، إذن : المفرد الحق هو الذي لا يحتاج لشيء ، وهذه لا تكون إلا لله عز وجل . إذن : الزوج يحتاج إلى الفرد ، والفرد لا يحتاج إلى الزوج . وما دام أنه سبحانه خالق الأزواج كلها . إذن : هو فرد لا مثيلَ له ، والمتأمل يجد أنَّ الزوجين مختلفان في الصفات مثل الذكر والأنثى ، لكل منهما صفاته مع وجود صفات مشتركة بينهما . فالصفات المشتركة تعني أن لكل زوج منهما مثلاً ، والصفات المختلفة تعني أن كلاً منهما فيه نقص عن الآخر ، والله سبحانه وتعالى فرد لا مِثْلَ له ، وكامل لا نقصَ فيه ، فكأن الآية تثبت أن الله تعالى فرد خالق لا يحتاج إلى شيء ، ويحتاج إليه كلُّ شيء . وقوله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } [ الزخرف : 12 ] الفلك . أي : السُّفن . ومن الأنعام التي تُركب مثل الإبل ، كما قال سبحانه : { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ … } [ النحل : 7 ] . فالمعنى : خلق لكم من الفلك والأنعام ما تركبونه ، لكنه قال { مَا تَرْكَبُونَ } [ الزخرف : 12 ] ولم ما تركبونها ليطمر الفلك في الأنعام ، والسفن لا نركبها إنما نركب فيها ، لذلك سماها { ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [ الصافات : 140 ] وقال : { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ … } [ يونس : 22 ] . إذن : نحن نركب على الأنعام ونستوي على ظهورها ، ونركب في السفن ، حتى السفن القديمة كان لها جدران وبداخلها مقاعد ، فما بالُكَ بالسفن المكوّنة من أدوار مثل البيوت والتي وصفها القرآن بأنها كالأعلام . لكن لماذا غلَّب الأنعام وطمر فيها السفن ؟ لا بدَّ أنَّ هنا حكمة ، لأن الحق سبحانه هو الذي يتكلم ، لذلك تجد كل لفظة في موضعها بدقة تعبيرية ، فغلَّب الأنعام وقال { مَا تَرْكَبُونَ } [ الزخرف : 12 ] لأننا نركب على الأنعام ، أما السفن ففي السفن . ثم لأن الأنعام خَلْقُ الله المباشر ، والفلك خَلْق الإنسان ، كما أن الحق سبحانه يخاطب بهذه الآية العرب في المقام الأول ، والعرب لم يكُنْ عندهم دراية بالسفن ولا يركبونها ، إنما كانت وسائلهم في الانتقال والحمل هي الأنعام ، فهي معهودة لهم .