Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 13-14)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ … } [ الزخرف : 13 ] الاستواء هنا يدل على الراحة ، فبعد أنْ كنتَ تسير وتتحمَّل مشقة السير ركبت على دابة مُذللة لك ، لذلك طلب منك أنْ تتذكر أنها نعمة من الله عليك تستوجب شكره وذكره ، والحذر من الغفلة عن تذكُّر النعم وشكْر المنعم ، والدابة تسير بك على أربعة قوائم تجعلها مُمهَّدة لك سهلة السير . والسفن تحتاج في سَيْرها إلى ثلاثة عناصر : السفينة ، والبحر الذي تسير فيه ، والهواء الذي يُحركها ، فساعة تسير بك تتذكر كلّ هذه النعم التي اجتمعتْ لك لتسير بك حيث تريد . ثم يُعلِّمنا ربنا عز وجل كيفية الذكْر المناسب لهذه النعمة ، وهو أنْ نقول كما جاء في القرآن : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } [ الزخرف : 13 ] . والنبي صلى الله عليه وسلم علَّمنا دعاء السفر والركوب ، وعلَّمنا أن نذكر الله كما باشرنا عملاً جديداً ، لذلك قال سبحانه في قصة السفينة { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا … } [ هود : 41 ] وذكر الله هو الطاقة التي نستمد منها العون ، القوة على السفر أو على أداء العمل . وأنت حين تدعو بدعاء الركوب وتقول " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " إنما تنفي عن نفسك الغرور ، وتعترف أنك تركب هذا المركب لا بقدرتك عليه ، إنما بقدرة الله الذي سهَّله لك وسخَّره لخدمتك ، ولولا أن الله سخَّره ما استطعتَ السيطرة عليه ولا اعتلاء ظهره . فالسفينة ربما تغرق بمَنْ فيها ، والدابة ربما تَنْفَق منك في وسط الطريق ، إذن : تذكَّر دائماً قدرة الله في هذه المسألة ، وبادر بذكر الله عند الركوب . هذه الدوابّ التي تركبها وتحمل عليها ، أَلَكَ فَضْلٌ فيها ؟ حتى السفن التي هي صناعة يدك لولا أن الله علَّم نوحاً صناعة السفن ما كان الإنسان عرفها { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } [ القمر : 13 ] وقال : { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا … } [ هود : 37 ] فالفكرة الأولى فيها من الله عز وجل . تذكر أن الحصان الذي تركبه ، والجمل الذي تحمل عليه أقوى منك ، وإذا حَرنَ لا تستطيع السيطرة عليه لذلك قال تعالى في هذه الدواب { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [ يس : 71 - 72 ] فلولا أن الله ذلَّلها ما ذللناها . وسبق أنْ قلنا : إن الطفل الصغير يقود الجمل ويركبه ويُنيخه ، والجمل يطاوعه في يُسْر وسهولة ، صحيح منظر يدعوك إلى التأمل في قدرة الله الذي سخَّر هذا المخلوق الضخم لخدمة هذا الطفل الصغير الذي لا يقدر على شيء . وفي المقابل ، تجد البرغوث مثلاً يقُضّ مضجعك ويُقلقك طوال الليل ، ولا تستطيع أن تفعل له شيئاً ، لماذا ؟ لأن الخالق سبحانه سخَّر لك هذا ولم يُسخِّر لك ذاك ، فتأمل ولا تظن أنك تركب هذه المراكب بقوتك ولا بقدرتك عليها . ومعنى { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } [ الزخرف : 13 ] أي : مطيقين أو غالبين ، يعني : ليس لنا قدرة عليه ولا سيطرة ولا تحكّم إلا بتسخير الله له { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } [ الزخرف : 14 ] أي : راجعون وآيبون .