Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 26-26)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يريد الحق سبحانه أنْ يكشف زيفهم ويفضح كذبهم في قولهم { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } [ البقرة : 170 ] ويسوق لهم الدليل الواقعي من واقع حياتهم ، فها هو سيدنا إبراهيم الخليل أبو الأنبياء ومحطّ أنظار العرب جميعاً يُقدِّسونه ويفتخرون بالانتساب إليه . يقولون : نحن من نسل إبراهيم ، وإبراهيم لم يُقلِّد أباه في عبادته للأصنام ، فلماذا تقلدون أنتم آباءكم ولم تقلدوا إبراهيم ؟ فالحق سبحانه ينقض مسألة التقليد عملياً في قصة سيدنا إبراهيم وينقضها فلسفياً أيضاً ، فلو تتبعتَ الوجود الأول لم نجد إلا آدم عليه السلام ، وآدم جاء بمنهج وسار عليه وسار عليه أولاده من بعده ، فكيف حدث الانحراف عن هذا المنهج ؟ إذن : لا بدَّ أنه جاء مع مرور الزمان أنَاسٌ خرجوا على المنهج وقلبوا الحقائق لهوىً في أنفسهم ، ومن هؤلاء جاء جيل يعبد الأصنام ، لأنهم غير محكومين بمنهج السماء ولا بقضية التكاليف : افعل ولا تفعل ، فناسبهم عبادة آلهة لا تكليفَ عندها ، لذلك عبدوا الأصنام . قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ } [ الزخرف : 26 ] دار حولها جدلٌ واسع بين العلماء : أهو أبوه الحقيقي أو هو عمه آزر ؟ المتتبع لكلمة أبيه في القرآن يجد أنها وردت ثماني مرات ، أولها في سورة الأنعام { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ } [ الأنعام : 74 ] وآخرها في سورة الممتحنة ، ولم تأت كلمة لأبيه بعد ذلك إلا مرة واحدة في قصة سيدنا يوسف { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ } [ يوسف : 4 ] . إذن : لم تأتِ آزر إلا في آية الأنعام فقط ، وهي أول الآيات الثمانية ، فكأن الحق سبحانه حسم الخلاف في هذه المسألة ، فأراد أنْ يُبيِّن لنا أن آزر عمه ، بدليل أنه قال { لأَبِيهِ آزَرَ } [ الأنعام : 74 ] وفي باقي المواضع قال لأبيه أي : الذي عرفتموه أولاً . أي : في سورة الأنعام . وهذا أمر شائع في لغتنا أن نقول للعم أب ، فحين يسأل رجل : أبوك موجود ؟ تفهم أنه يريد الأب الحقيقي ، إنما لو قال لك : أبوك محمد موجود ؟ فهو يقصد عمك لأنه حدَّده بالعَلَم بعد الوصف . والقرآن يُدخل العَمَّ ضمن الآباء في قوله تعالى : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } [ البقرة : 133 ] . فكلمة { آبَائِكَ } [ البقرة : 133 ] جمع يشمل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، وإذا اجتمع جمع في حكم جمع تكون القسمة مفردة ، فتأخذ أب هو إبراهيم ، وأب هو إسماعيل ، وأب هو إسحاق ، فهؤلاء الثلاثة آباء ليعقوب ، وإسماعيل أخو إسحاق ، وإنْ كان إسماعيل هو الأب إذن إسحاق ليس أباً ، بل هو عَمّ . إذن : سُمِّيَ العَمُّ أباً . لذلك الحق سبحانه في أول آية تتكلم عن سيدنا إبراهيم ذكر { لأَبِيهِ آزَرَ } [ الأنعام : 74 ] ليُبيِّن أن آزر الذي جادله إبراهيم وناقشه في مسألة التوحيد ليس أبا إبراهيم الحقيقي ، إنما هو عمه . ونجد دليلاً على ذلك من سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في الحديث عن أصله صلى الله عليه وسلم : " ما زلتُ أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ، فأنا خِيارٌ من خيار " . وسلسلة النسب النبوي تصل إلى أبيه إبراهيم ، فلا يصح إذن أنْ يكون أبو إبراهيم كافراً عابداً للأصنام . وقوله : { إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } [ الزخرف : 26 ] براء بمعنى بريء ، والفرق بينهما أن براء تُقَال للمفرد وللمثنى وللجمع ، وللمذكر والمؤنث ، أما بريء فتُثنَّى وتُجمع ، وتُذكَّر وتُؤنَّث ، وفي موضع آخر وصفهم بالعدو : { فَإِنَّهُمْ } [ الشعراء : 77 ] أي : الأصنام { عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 77 ] فما دام في المسألة شِرْك أو كفر بالله فأنا أتبرّأ منه .