Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 45-45)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هنا وقفة تأمل لنفهم الآية { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ } [ الزخرف : 45 ] كيف يسألهم رسول الله وهم أموات ، لماذا يأمره ربه عزَّ وجل هذا الأمر ؟ وإذا أمر الحق سبحانه رسوله أمراً وجب عليه أن يطيع . وقد هيَّأ الحق سبحانه هذه الفرصة لنبيه صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج حيث التقى فعلاً بإخوانه الأنبياء السابقين ، واجتمع بهم وصلى بهم إماماً في بيت المقدس وهم أموات بقانون الموت وهو حَيٌّ بقانون الأحياء . وثبت أنه خاطب بعضهم ، وتحدث معه كما تحدث مع سيدنا موسى عليه السلام ، وأنه راجعه في أمر الصلوات الخمسين ، إلى أنْ جعلها الله خمساً . فإنْ قلتَ : كيف يجتمع الضِّدان ميت و حي ويكون بينهما كلامٌ وتفاهم ؟ نقول : يجوز ذلك لأنه فعل القدرة وطلاقة القدرة لله تعالى ، فطلاقة القدرة لا ترتبط بقوانين الحيِّ والميت . وسبق أنْ قلنا : إنه ينبغي أنْ ننسب الفعل للفاعل لنستريح ، فهذه المسألة غَيْبٌ نؤمن به وننسب كلَّ عجيب فيها إلى مُنشئ هذا العجب . تذكرون قصة سيدنا إبراهيم لما ألقوْهُ في النار ، ماذا حدث ؟ القانون أن النار تحرق ، لكن ماذا إنْ أرادها الله بَرْداً وسلاماً وهي ما زالت ناراً مشتعلة ؟ لما أرادها الله كانت بَرْداً وسلاماً على إبراهيم ، وتعطَّل فيها قانون الإحراق . ولو شاء سبحانه لسخَّر لهذه النار سحابة تمطر عليها حتى تنطفئ ، ولو شاء ما تمكَّنوا من إبراهيم ولا أمسكوا به ، لكن لتتم المعجزة مكَّنهم الله من إبراهيم وألقوه بالفعل في النار وهي تشتعل ، ومع ذلك لم تحرقه ، فهذه هي طلاقة القدرة . كذلك رأينا طلاقة القدرة في قصة عصا سيدنا موسى لما ضرب بها البحرَ فانفلقَ ، وتجمَّد فيه الماءُ حتى صار كل فِرْق كالطوْد العظيم ، وهي نفس العصا ضرب بها الحجر فانفجرتْ منه اثنتا عشرة عيناً ، فالحق يعطينا لقطاتٍ لطلاقة القدرة وخَرْق العادة والقوانين لنقيسَ عليها . بعض المفسِّرين يستبعدون هذه المسألة . أي : اللقاء بين الحي والميت - ويُؤوِّلون المعنى بما يوافق ميولهم ، فيقولون : المراد واسأل أتباع الرسل قبلك لأنهم أخذوا الدين عنهم . وأصحاب هذا الرأي يريدون أنْ يُفلتوا من مسألة التقاء الحيِّ بالميت ، ومن إثبات هذه المعجزة الخارقة للعادة ، لكن لا غرابةَ في ذلك ولا عجبَ لأن الفاعل مَنْ ؟ الله . أو : أن المراد بالسؤال في { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ } [ الزخرف : 45 ] ليس السؤال في ذاته ولا الجواب في ذاته ، إنما المراد العِظَة والاعتبار على حَدِّ قول الخطيب مثلاً في خطبة الجمعة : سَل الأرض مَنْ أجرى فيها الأنهار ، ومَنْ أنبت فيها الأشجار ، سَل الروض مُزداناً ، سَل الماء جارياً … إلخ . إذن : ليس المراد أنْ نسأل الأرض ، إنما نسأل أنفسنا ونتفكر ونتأمل . كذلك في قوله سبحانه : { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ } [ الزخرف : 45 ] . لكن اسألَ رسولُ الله مَنْ قبله من الرسل عن هذه المسألة { أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزخرف : 45 ] ؟ الواقع أنه لم يسأل ، لماذا ؟ لأن عنده من اليقين ما يجعله في غِنًى عن هذا السؤال ، فرسولُ الله ليس في حاجة لمَنْ يؤكد له أنه ليس مع الله آلهةٌ تُعبد . لذلك ورد عن الإمام علي كرَّم الله وجهه أنه قال : لو كُشِفَ عني الحجاب ما ازددتُ يقيناً . يعني : أنا مؤمن بالغيبيات إيماناً راسخاً مستقراً ، وكأني أطلع عليه وأراه ، ولو كُشف لي ما زاد في يقيني شيء ، لأن إخبار الله لرسوله بالشيء أصدقُ من رؤيتنا له . اقرأ : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [ الفيل : 1 ] ومعلوم أن الرسول وُلِد عام الفيل ، يعني لم يَرَه ، لكن أخبره الله { أَلَمْ تَرَ } [ الفيل : 1 ] يعني : ألم تعلم ، تعلم بأي وسيلة ؟ تعلم بحواسك ، أو تعلم بخبر خالق هذه الحواس . إذن : إخبار الحق آكد وأصدق من رؤية العين . والاستفهام في { أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزخرف : 45 ] يُراد منه النفي والإنكار ، فعبادةُ غير الله أمر غير وارد من الرسل ، إذن : هو من صُنْع البشر ، استحدثوه لإرضاء أهوائهم في أنْ يكونَ لهم معبود ، لكن معبودٌ على هواهم ، معبود لا يُقيد شهواتهم ورغباتهم بمنهج افعل كذا و لا تفعل كذا . ومن هنا عبدوا الأصنام وعبدوا الشمس والقمر والكواكب وغيرها ، وكلها معبوداتٌ بزعمهم هم - ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا شرَّعها في أيِّ شريعة من الشرائع .