Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 46-46)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلنا : الآيات هي المعجزات الدالة على صدق الرسول في البلاغ عن الله ، وسيدنا موسى عليه السلام كان من أكثر الرسل حيازةً للمعجزات وخوارق العادات ، وهذا يعني أن قومه كانوا أكثر خَلْق الله عناداً وإعراضاً عن المنهج ، قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } [ الإسراء : 101 ] . ما مناسبة أنْ يأتي القرآنُ بلقطة من قصة سيدنا موسى في هذا الموضع ؟ قالوا : لأن كفار مكة كانوا قد اجتمعوا ووقفوا في وجه الدعوة ، واعترضوا على أنْ تأتي الدعوة على يد محمد بالذات ، فقالوا : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . يقصدون مكة وكان فيها الوليد بن المغيرة ، والطائف وكان بها عروة بن مسعود الثقفي ، وغيرهما من سادة القوم أصحاب المال والجاه والهيبة في القوم . إذن : لم يكُنْ الاعتراض على القرآن ، إنما الاعتراض على مَنْ جاء القرآنُ على يديه . لذلك أراد الحق سبحانه أنْ يعطيهم مثلاً من موكب الرسالات ، فهذا موسى - عليه السلام - لم يكُنْ صاحبَ مال ، ولا صاحبَ جاه ولا سلطان ، وأرسله الله إلى مَنْ هو أشدّ كفراً من أهل مكة وصناديدها ، أرسله إلى فرعون الذي لم يكُنْ يعارض الدعوة إلى الله فقط ، إنما كان يقول : أنا إله . إذن : لا عجبَ في إرسال محمد ، وهو من عامة القوم وفقرائهم إلى السادة الأغنياء ، وهو الوليد وعروة وغيرهما من رؤوس الكفر كانوا أشدَّ من فرعون . فالرسالة إذن لا يُطلب فيها أنْ يكون الرسولُ صاحبَ مال ولا صاحبَ جاه ولا سلطان ، ثم هذه رحمة الله يقسمها كيف يشاء ، ويختار لها مَنْ يشاء ، ويصطفي من عباده . والمتأمل في رسالتَيْ موسى ومحمد يجد أن حياة موسى في مجتمعه أقل من حياة محمد في مجتمعه ، لأن موسى تربَّى في بيت فرعون إلى أنْ شبَّ وحدَثتْ حادثة القتل التي قَتلَ فيها موسى واحداً من القوم ، ثم جاء رجل من أقصى المدينة ، وقال { يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ القصص : 20 - 21 ] . بعد ذلك وصل إلى مديْنَ وهناك وجد : { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [ القصص : 23 - 24 ] . أولاً : نقول إن هذه الأيام تعطينا منهجاً ودستوراً للتعامل مع المرأة المسلمة ، وكيف ومتى تخرج من بيتها ، فالعلة في خروج هاتين المرأتين أن أباهما شيخ كبير ، ولا يوجد مَنْ يقضي لهما حاجتهما . إذن : لا تخرج المرأة من بيتها إلا لضرورة ، وإذا خرجتْ تحشَّمتْ وتحجبتْ ولم تخالط الرجال ، ثم مهمة المجتمع الإيماني أنْ يراعي حَقَّ المرأة وأنْ يأخذ بيدها فيما تريده من عمل ، لأنه مجتمع الرحمة والقربى بين المسلمين جميعاً . وأذكر أننا أول مرة سافرنا مكة سنة 1950 كنا نسكن في بيت رجل مُوسِر ، كان يتطوع ويُوصِّلنا إلى العمل بسيارته الخاصة ، وفي مرة ونحن نسير وجد أمام أحد البيوت لوحاً من الخشب الذي يُوضع عليه العجين ، وكان بابُ البيت مغلقاً فنزل وأخذ اللوح في سيارته وذهب . فلما سألتهُ عن ذلك قال : والله عندنا عادة لما نرى البابَ مُغلقاً ، وأمامه شيء مثل هذا ، نعرف أن صاحبَ البيت غائبٌ وأهلُ البيت يحتاجون شيئاً فنقضيه لهم ، المهم أخذ الرجل لوحَ العجين وملأه بالخبز ، وبما قدَّره الله عليه ، وأعاده إلى أصحابه . وهذا هو المعنى الذي تعلَّمناه من قصة سيدنا موسى { فَسَقَىٰ لَهُمَا } [ القصص : 24 ] ونعود إلى القصة { ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [ القصص : 24 ] يعني : موسى كان رجلاً فقيراً ، لا يملك من الدنيا سِوَى قوته البدنية ، فهذا الذي يجلس تحت ظل شجرة ليس له مأوى ، أبعد ذلك مسكنة وضعف ؟ هذا يدل على أنه كان رجلاً غلبان لا يملك من حطام الدنيا شيئاً ، ولو قارنّا بينه وبين محمد نجد محمداً أطولَ إقامة في قومه ، فقد نشأ بينهم منذ مولده ، وكان يرعى الغنم لأهله بأجرة ، ولما كبر اشتغل بالتجارة ، وكان كما نقول مدير أعمال السيدة خديجة ، وكان يكسب ومعه مالٌ . ومع ذلك أرسل اللهُ موسى الذي هو أضعف من محمد إلى فرعون الذي هو أقوى وأشدّ من الوليد وعروة وغيرهم . وبهذا نفهم لماذا أتى ذكْرُ سيدنا موسى في هذا الموضع : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } [ الزخرف : 46 ] . ثم هناك نقطة ضَعْف أخرى في رسالة سيدنا موسى أنه أُرسِلَ إلى فرعون الذي تربَّى في بيته ، لذلك الحق سبحانه يُعلِّمه كيفية الدخول إليه في أمر الدعوة لأنه كان يمتنُّ عليه . { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } [ الشعراء : 18 ] فعلَّمه الله أن يقول له القول اللين { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] . وقوله : { بِآيَـٰتِنَآ } [ الزخرف : 46 ] أي : بالمعجزات الظاهرات التي صاحبتْ دعوة سيدنا موسى لتؤيده وتُثبت للقوم صِدْقه في البلاغ عن الله ، وقلنا : إنه يُشترط في المعجزة أنْ تكون موضعاً للتحدي ، بحيث لا يقدر أحدٌ على الإتيان بمثلها ، وأنْ تكونَ من جنس ما نبغ فيه القوم ليكون التحدي له معنى ، وإلا كيف أتحدَّاك بشيء لا تعرفه أنت ولا تجيده ؟ ولأن قوْم موسى نبغوا في السحر كانت معجزةُ العصا من المعجزات التي أعطاها الله تعالى لسيدنا موسى ، وقد درَّبه ربُّه عز وجل على استخدام هذه العصا وعرَّفه ما فيها من أسرار قبل لقائه بفرعون . واقرأ : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ * قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [ طه : 17 - 20 ] . كان هذا الموقف تدريباً لموسى على استخدام معجزته أمام فرعون ، وعندها علم موسى أنه إذا كانت مآربه من عصاته أنْ يتوكأ عليها ويهشَّ بها على غنمه ، فلله تعالى مآربُ أخرى غير هذه المآرب الظاهرة . لذلك رأينا بعض المستشرقين يقولون : إن القرآن كرَّر قصة عصا موسى هذه في أكثر من موضع ، والواقع أن القصة لا تكرارَ فيها ، بل هي مواقف مختلفة للعصا مع موسى ، فالمرة الأولى كما قلنا كانت تدريباً لموسى حتى لا يُفاجأ بما تفعله العصا إذا ألقاها أمام فرعون . وكانت المرة الثانية أمام فرعون ، والثالثة لما جمع فرعونُ السَّحرةَ . إذن : ليس في المسألة تكرار ، إنما هي مواقفُ مختلفة لشيء واحد ، والقرآن حينما عرض لنا هذه القصة علَّمنا الفرق بين السحر والمعجزة ، السحر : تخييل وخداع للنظر إنما المعجزة حقيقة واقعة . لذلك قال عن العصا : { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [ طه : 20 ] يعني : على وجه الحقيقة ، ولما تكلَّم عن حبال السحرة قال : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } [ طه : 66 ] والدليل على ذلك أن السَّحرة وأهل التمرُّس والخبرة في هذا المجال لما رأوا العصا ساعة انقلبت حيَّة خرُّوا سُجَّداً وآمنوا بموسى وبما جاء به ، لأنهم أدْرى القوم بهذه المسألة { قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } [ طه : 70 ] . والحق سبحانه في موضع آخر يقول : { سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ } [ الأعراف : 116 ] معنى : سحروا أعين الناس أن الأمر في السحر موقوف عند العين وعند النظر ، فهو تخييل في مرأى العين فحسب . وواقع حياتنا أيضاً يشهد بذلك ، فأذكر أنني كنتُ رئيس بعثة الأزهر في الجزائر ، وهناك تعرفتُ على سفير السعودية بالجزائر الشيخ رياض الخطيب بن فؤاد الخطيب الشاعر العظيم ، وحدث بيني وبينه مودة ، وصادف أنه نُقِلَ من الجزائر إلى باكستان ، وبعدها سافرتُ أنا إلى باكستان ونزلتُ على الشيخ رياض . وفي يوم تحدَّثنا عن السحر فقال : سأريك مسألة غريبة ، هنا ساحر هندي يفعل كذا وكذا . فقلت : والله فرصة نرى ماذا يفعل ، وفي الصباح ذهبنا إلى قرية وأتوْا بالساحر الهندي ، فقعد وعمل نصبة وأتى بقطن جعله على هيئة حبل ولَواه هكذا ، وكان معه ولد صغير ، أشار إليه أنْ يصعد على هذا الحبل حتى رأى جميعُ الجالسين الولد فعلاً طالعاً على الحبل . في اليوم التالي وبعد أنْ راجعتُ آيات السحر في كتاب الله أخذتُ معي كاميرا فوتوغرافيا وأحببتُ أنْ أُصوِّر هذا المشهد ، وفعلاً صوَّرته ، في اليوم التالي وجدت الصورة بعد تحميضها بيضاء ليس بها شيء أبداً . فقال لي صاحبي : إذن بمَ تفسِّر هذا التخييل الذي رأيناه ؟ قلت : والله من حديث القرآن عن الجن نعلم أنه يتشكل بكل الصور ، ولا مانعَ أبداً أن الساحر يستعين بالجن ، قال تعالى : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } [ الجن : 6 ] . إذن : لا مانع عقلاً أنْ يُسخِّر الساحر من الجن مَنْ يساعده في هذه المسألة ، ويتشكل له كما يريد . والقرآن الكريم نصَّ على أن الآيات والمعجزات التي أُرسِلَ بها سيدنا موسى كانت تسع آيات : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } [ الإسراء : 101 ] . وقال في موضع آخر : { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا … } [ الزخرف : 48 ] وهذا يعني أنها كانت آيات كثيرة واضحة ظاهرة بينة . وقوله سبحانه { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } [ الزخرف : 46 ] الملأ : هم القوم ، خاصة الوجهاء منهم ، وأصحاب المنزلة من قولنا : فلان ملءَ العين . وفي آية أخرى قال : { وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ } [ العنكبوت : 39 ] . وقوله تعالى : { فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ الزخرف : 46 ] ملخص لرسالته وموجز لما جاء به .