Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 4-4)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِنَّهُ } [ الزخرف : 4 ] أي : الكتاب المبين الذي سبق وَصْفه ، وهو القرآن الكريم { فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ } [ الزخرف : 4 ] أم الكتاب يعني : الكتاب الأصل أو اللوح المحفوظ ، الذي أخذتْ منه كل رسالات السماء ، وسجَّل فيه كل الأحداث { لَدَيْنَا } [ الزخرف : 4 ] عندنا : عند الله . يعني : لم يُعطِه لأحد ، وهذا يعني أنه مَصُون محفوظ . { لَعَلِيٌّ } [ الزخرف : 4 ] أي : في ذاته ، والعلو الارتقاء ، لأنه هو الكتاب الخاتم لجميع الرسالات قبله والمهيمن عليها . وهيمنة القرآن على الكتب السابقة أنه اتفق معها في الثوابت العقدية والأعمال العبادية والأخلاق ، ثم نسخ من الرسالات مثله ما لا يناسب العصر ، ونفض عنها الفساد الذي لحق بها من تبديل وتغيير أو تحريف . فالقرآن حكى عنهم أنهم نَسُوا حظاً مما ذُكِّروا به ، وما لم ينسوه كتموه ، وما لم يكتموه حرَّفوه ، بل زادوا على ذلك كله ولم يقفوا عند حَدِّ التحريف ، إنما جاءوا بكلام من عندهم وقالوا : هو من عند الله ، واقرأ : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ … } [ البقرة : 79 ] . هذه هي هيمنة القرآن على ما سبقه من الكتب وعُلُوِّه عليها . وقوله { حَكِيمٌ } [ الزخرف : 4 ] الحكيم هو الذي يضع الشيء في موضعه من حيث زمنه ومكانه الذي يناسبه ، فترى كل شيء فيه منضبطاً ، والقرآن هو الكتاب الذي خُتِمتْ به الكتب السماوية ، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل جميعاً . فإنْ قلتَ : فلماذا يحفظ الحق سبحانه كلامه في أم الكتاب ، وهو سبحانه لا يضل ولا ينسى ، ويحيط علمه بكل شيء ولا تَخْفى عليه خافية ؟ قالوا : حفظ الله تعالى كلامه في أم الكتاب من أجل الملائكة ، فحينما يروْنَ اللوح المحفوظ يجدون فيه كلاماً قديماً تُصدِّقه الأحداث ومواقف الناس في الكون ، ويأتي الواقع وفْقَ ما أخبر الحق في كلامه ، فيزدادوا حباً في الله وعنايةً به ، ويحكموا بأن الله هو العليم الحكيم . هذا سِرُّ الكتابة لأنهم أي الملائكة سبق أنْ قالوا في مسألة خَلْق الإنسان : { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 30 ] . بعضهم قال في { أُمِّ ٱلْكِتَابِ } [ الزخرف : 4 ] ليس هو اللوح المحفوظ لقوله تعالى عن القرآن : { مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ … } فأم الكتاب هنا أي : الآيات المحكمات . فقد يكون في هذا المعنى تنبيه لنا بأن هذه السورة الزخرف من الآيات المحكمات ، ليس فيها آية واحدة من المتشابهات . وقد بيَّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم حُكْم المحكم والمتشابه ، فقال : " ما عرفتم منه فاعملوا به ، وما لم تعرفوا فآمنوا به " . قال تعالى في المتشابه : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ … } [ آل عمران : 7 ] ونقف ، ثم { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ } [ آل عمران : 7 ] إذن : نعمل بالمحكم ونؤمن بالمتشابه .