Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 19-20)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } [ الدخان : 19 ] أرجع الأمر إلى مصدره الأول ، فلم يقُلْ أنْ لا تعلوا عليَّ إنما على الله ، يعني : افهموا أن المعركة ليست بيني وبينكم ، بل بينكم وبين الله الذي أرسلني ، فحين تعلون وتعاندون لا تعلون عليَّ ، إنما على الله الذي كلَّفني وأرسلني إليكم . { إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [ الدخان : 18 ] بحجة واضحة وآية بينة وهي العصا ، والعصا آية من جنس السحر الذي نبغ فيه قومُ فرعون ، ولكنها ليستْ من نوعه لأن السحر في حقيقته تخييلٌ للأعين كما قال سبحانه : { سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ } [ الأعراف : 116 ] . لذلك لما رأى السَّحرةُ عصا موسى تلقَفُ ما صنعوا خرُّوا ساجدين لا لموسى ، بل لربه دون أنْ ينتظروا إذناً من فرعون لماذا ؟ لأنهم رأوا شيئاً غير السِّحْر ليس تخييلاً للأعين ، إنما حقيقة واقعة ، وهم أدرى الناس بماهية السحر . وقوله { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } [ الدخان : 19 ] يعني : لا أتكلم من عند نفسي إنما بأمر السماء ، وفيه إشارةٌ أيضاً إلى إبطال ألوهيتهم المدّعاة ، يعني : أنتم بينكم وبين أنفسكم تعلمون أنكم لستم آلهة ، وأن هذا ادعاء كاذب ، لذلك خوَّفهم بالإله الحق . { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } [ الدخان : 20 ] يعني : لجأتُ إليه وتحصَّنتُ به من أذاكم ، وتأمل ساعة قالها موسى وكيف أنه استعاذ بمعاذ ، ولجأ إلى ركن شديد لا يُضام مَنْ التجأ إليه . ماذا حدث بعد أن استعاذ بالله ؟ سخَّر الله له رجلاً من قوم فرعون يُصدق موسى ويدافع عنه . وهذه الاستعاذة أيضاً ستنفعه في المستقبل في قضية انفلاق البحر ، لما أدركه فرعون وجنوده عند شاطئ البحر ، حتى قال أصحاب موسى { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] حيث لا أمل في النجاة . أما موسى فلديه رصيدٌ من الثقة بربه ، فقال : { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] قالها وهو واثق بها لأنه جرَّبها قبل ذلك وأفلح بها . إذن : لمَّا حزبه الأمر وضاقتْ به أسبابه لجأ إلى الله لجوءَ الواثق المطمئن فأوحى الله إليه { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } [ الشعراء : 63 ] لم يُكذِّب موسى الأمر ولم يتردد فيه مع أنها كانت شيئاً عجيباً يفوق تخيُّل العقل ، لكنّ صِدْقَ الله معه في الأولى ، شجَّعه أنْ يطيع الأمر وألاَّ يتردد فيه . { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } [ الشعراء : 63 ] فكانت المعجزة أن انفلق البحرُ ، فكان كل فِرْق كالطوْد العظيم ، ونجَّى الله موسى ومَنْ معه ، وأهلك فرعون وجنوده ، وهذا من طلاقة القدرة أنْ يهلك ، وأنْ ينجي بالشيء الواحد ، لأن الأشياء لا تنفعل لذاتها ، إنما لإرادة الله . وقوله { أَن تَرْجُمُونِ } [ الدخان : 20 ] دلَّ على أن الرجم كان موجوداً في الأمم السابقة التي كانت تكذِّب رسولها .