Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 17-18)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كأنه يقول لهم : لسْتم بدعاً في ذلك ، فقد سبقكم أمم كذَّبوا الرسول فنزل بهم مثلُ ما نزل بكم ، كلمة { فَتَنَّا } [ الدخان : 17 ] يعني : ابتلينا واختبرنا ، والفتنة لا تُذمُّ لذاتها ، وإنما تُذم لنتيجتها مثل الامتحان لا يُمدح ولا يُذم لذاته ، إنما حسْب ما يترتب وما ينتج عنه . وتعرفون قصة قوم فرعون { وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } [ الدخان : 17 ] هو سيدنا موسى عليه السلام ، فهو كريم على الله الذي أرسله ، ومن كرامته جعله كليماً يُكلِّمه من وراء حجاب ، ذلك لأنه سيتعرَّض لا لفساد خُلُقي ولا لفساد اجتماعي ، إنما لفساد عَقَديّ . وكأنَّ الله تعالى يُعد للقائه مع رأس الكفر ، وهو فرعون الذي وصل به الضلال إلى أنْ يدَّعي الألوهية ، ويقول للناس : أنا ربكم الأعلى . ومن هنا كانت مهمة موسى عليه السلام مهمة صعبة وشاقة ، لذلك درَّبه ربه عز وجل على استخدام الآيات والمعجزات قبل أنْ يُظهرها أمام فرعون . اقرأ : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ * قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [ طه : 17 - 20 ] . فالحق سبحانه عرَّف موسى مهمة العصا في المعركة العقدية التي سيخوضها مع فرعون ودربه على التعامل معها ، حتى إذا واجه فرعون واجهه بثقة وثبات واطمئنان إلى نصر الله وتأييده له ، لذلك قلنا : إن المستشرقين تصيَّدوا هذه القصة ، واتهموا القرآن بالتكرار . وهذا يدل على عدم فهمهم للآيات في سياقها ، فقصة العصا فعلاً وردتْ ثلاث مرات ، مرة بين موسى وربه عز وجل كتدريب ومران على هذه المسألة ، والمرة الثانية كانت أمام فرعون ، والمرَّة الثالثة كانت أمام سحرة فرعون . إذن : كان لكلِّ مرحلة حكمة ، والمسألة ليستْ فيها تكرار ، إنما هي مواقف مختلفة ، كلٌّ في موعدها . وقوله سبحانه : { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } [ الدخان : 18 ] ساعة تسمع { أَدُّوۤاْ إِلَيَّ } [ الدخان : 18 ] تعرف أن هناك أمانة يجب تأديتها ، فما الأمانة التي يطلب موسى من قومه أنْ يؤدوها إليه ؟ قالوا : الحق الذي طالب به موسى قوم فرعون هو أنْ يأخذ بني إسرائيل ، وأنْ يخرجهم من العذاب المهين الذي يُلاقونه من قوم فرعون وهذه هي مهمة موسى الأولى ، أما دعوته لفرعون فكانت على هامش المهمة الأساسية ، وكلامه مع فرعون زائد على مهمته وعن التشريع الذي أتى به بني إسرائيل . وسبب اضطهاد قوم فرعون لبني إسرائيل أن الهكسوس لما دخلوا مصر عاثوا فيها فساداً ، وكان بنو إسرائيل يعاونون الهكسوس ويساعدونهم ، فلما خرج الهكسوس من مصر لم يَعُدْ لهم عدو إلا بني إسرائيل لذلك اضطهدوهم . وكما حكى القرآن : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } [ البقرة : 49 ] فجاء سيدنا موسى أصلاً لإنقاذ بني إسرائيل من العذاب وليُخرجهم من مصر . فالحق سبحانه وتعالى لطف ببني إسرائيل لأنهم كانوا هم المؤمنين في هذا الوقت وكان الآخرون وثنيين . إذن معنى : { أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } [ الدخان : 18 ] يعني : اعطوني بني إسرائيل الذين تُعذِّبونهم واتركُوني وشأني . ومن إعجاز القرآن أنه لما تكلَّم عن حاكم مصر سمَّاه فرعون ، إلا في فترة سيدنا يوسف عليه السلام سماه الملك : { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ } [ يوسف : 43 ] . وقد ثبت أن الهكسوس أثناء وجودهم في مصر غيَّروا اسم الفرعون وقالوا الملك وكان وجودهم في مصر أيام سيدنا يوسف عليه السلام . وقوله : { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } [ الدخان : 18 ] يعني : مؤتمن على رسالتي من الله أؤديها كما يجب أن يكون الأداء .