Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 1-2)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سورة الدخان من سور الحواميم . أي : التي تبدأ بالحروف المقطَّعة حَم وقد تحدَّثنا في هذه الحروف بما يُغني عن الإعادة هنا ، وهذه الحروف تقف العقول عند حدِّ النطق بها كما هي ، وكما نطق بها رسول الله ، ولا نسأل أنفسنا عن معانيها ، ولا حَجْرَ على العقول أنْ تحوم حولها محاولة استنباطَ بعض المعاني ، ولو لنقنعَ أنفسنا بشيء من الصواب حول معانيها ثم نقول والله أعلم بمراده منها . ذلك لأن الدين منه أمور تتصل بالعقيدة ، وأمور تتصل بالأحكام ، وأمور تتصل بالقرآن المعبِّر عن العقيدة والأحكام . وفي كل واحدة من هذه الثلاثة غَيْبٌ ومَشْهَد ، الغيب ويُوكل العلم به إلى الله تعالى حتى يظلَّ الإنسانُ عاجزاً أمام علم الله وأمام مسائل لا يفهمها ، ولكن يؤمن بها لمجرد أن الله أخبر بها في كتابه ، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو لا ينطق عن الهوى . ففي العقائد مثلاً مسألة الإيمان بإله واحد ، هذا غيْب لكن يمكن للعقل أنْ يُدلِّلَ عليها لأنه لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا ، ولو كانت آلهةً متعددةً يختصُّ كلّ واحد منها بشيء من الخَلْق لَكانَ كل واحد منها محتاجاً إلى الآخرين ولا يصلح لأن يكون إلهاً . إذن : يمكن بالعقل أنْ نثبتَ أن الله إله واحد . لكن هناك في العقائد أمور غيبية لا يمكن للعقل التدخّل فيها ، ويقف فيها عند ما سمعه مثل أمور : القبر والبرزخ والحساب والآخرة . وكذلك في الأحكام غَيْب ومشهد ، فالصلاة في ظاهرها المشَاهد أنها تُحدث استطراقاً عبودياً في الكون ، فساعة نسمع الله أكبر نذهب إلى المساجد ، ونُقيم أنفسنا بين يدي ربنا رُكعاً وسُجَّداً يستوي في ذلك الرئيس والمرؤوس ، الغني والفقير ، القوي والضعيف ، الكل ضارع لله . هذا جانب مُشاهد في الصلاة ، وفيها أيضاً غَيْب لا دخْلَ للعقل فيه ، فالصلاة من حيث عدد ركعاتها غيْب لا نعرف له تفسيراً ، لماذا كان الصبح ركعتين ، والظهر أربعاً ، والمغرب ثلاثاً ؟ لذلك فالسؤال الذي يدور حول عدد الركعات سؤال باطل . كذلك الحال في القرآن ، فيه غَيْبُ لا مجالَ للعقل فيه ، وهو هذه الحروف المقطَّعة التي نَكِلُ العلم فيها إلى قائلها سبحانه وتعالى . وقوله سبحانه : { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [ الدخان : 2 ] أي : الظاهر الواضح المحيط بكل شيء ، وهذا يُمثِّل المشهد أي الذي نعرفه ويتدخَّل فيه العقل . إذن : جمع الحق سبحانه في صدر هذه السورة بين الغيب في حم والمشهد في { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [ الدخان : 2 ] كلاهما من الله فلا قسم على هذا . أو أن الأسلوبَ هنا أسلوبُ قسم ، أقسم بحم ، وأقسم بالكتاب المبين الظاهر الذي تفهمه العقول ، وهما الاثنان من الله . والمقسم عليه : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا … } .