Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 23-24)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق سبحانه وتعالى يقي أولياءه ويعطيهم الحصانة اللازمة ، فالأمر لموسى أنْ يخرج ببني إسرائيل ليلاً ، ويخبره بما سيحدث من فرعون وقومه ، وأنهم سيتبعونهم فلم يتركه للمفاجأة بل أعطاه حقنة وقاية بالعلم بالشيء ، وهذه من أسباب النصرة والتأييد . وهذا هو الذي شجَّعه أنْ يقول كلا لن يدركونا ولن ينتصروا علينا ، ونحن مُؤيَّدون من الله ، والذي أمرني أنْ أسري بعباده ، وأخبرني ما سيكون من عدوي لن يخذلني . إذن : كل لقطة في هذه القصة دلَّتْ على طلاقة القدرة التي تعمل في الأشياء كلها ، وتنقل الشيء إلى ضده . وقوله : { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً } [ الدخان : 24 ] هذا الأمر جاء بعد الأمر بضرب البحر بالعصا في موضع آخر . إذن : هي لقطات متفرقة بين الآيات تتكامل لتخدم فكرة واحدة ، وتكون نسيجاً واحداً للقصة ، فهناك قال له { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } [ الشعراء : 63 ] وهنا أمره { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً } [ الدخان : 24 ] كلمة رَهْواً مصدر من رها يرهو رهوا . مثل : عدا يعدو عدواً . عدا يعني : جاوز المكان جرياً . وضده رها يعني : سكن في مكانه . فموسى حين ضرب البحر تجمَّد الماء وسكن في مكانه على شكل جبلين كبيرين بينهما يابس ، ورأى موسى هذا اليابس طريقاً مُمهداً فعبره إلى الجانب الآخر . وطبيعي وحسْب تفكير العقل أنْ يفكر أنْ يضرب البحر مرة أخرى ليعود في سيولته ، ويمنع فرعون وجنوده من اللحاق به ، لكن لله تعالى في الأمر تدبير آخر ، فقال له : { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً } [ الدخان : 24 ] أي : على سكونه . موسى يفكر ببشريته ، والحق سبحانه يأمر بحكمته ، وهذه ليس فيها غضاضة على موسى ، لأن الذي يُصوِّب له هو ربُّه عز وجل ، وهذا شرف لموسى وعظمة . وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نقل لنا هذا التصويب حين يُخطئ الرسل في أمر لم يردْ فيه نصّ ، كذلك صوَّب الله له في قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ } [ التحريم : 1 ] وعاتبه ربه بقوله : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } [ التوبة : 43 ] فمَنِ الذي أخبرنا بهذا التصويب وبهذا العتاب ؟ إنه رسول الله الصادق في البلاغ عن ربه . إذن : الحق سبحانه صوَّب لنبيه موسى عليه السلام وقال له { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً } [ الدخان : 24 ] لأنِّي أريد أنْ أُهلك فرعون وجنوده بنفس الشيء الذي نجَّيتك به ، وهذه من طلاقة قدرة الله ، ففرعون لا بدّ أنْ يغترّ بهذا الطريق اليابس الذي يراه وسوف يعبره خلفك . وفعلاً ما أنْ وصل موسى إلى الناحية الأخرى من البحر حتى كان فرعونُ في وسطه ، وعندها أمر الله الماء أنْ يعود إلى استطراقه وسيولته ، وأغرقَ فرعونَ وجنوده { إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } [ الدخان : 24 ] فبطلاقة القدرة أنجى الله سبحانه وأهلك بالشيء الواحد . ثم يُبيِّن لنا الحق سبحانه ما كان فيه هؤلاء من النعمة ، وما آلوا إليه من النقمة والعذاب : { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ … } .