Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 55-56)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى { يَدْعُونَ … } [ الدخان : 55 ] يطلبون { فِيهَا … } [ الدخان : 55 ] أي : في الجنة ، فإنْ قلتَ : فلماذا يطلبونها وفي الجنة يأتيك الشيء بمجرد أنْ تريده ، قالوا : المسألة أنه أكل الأكل الطبيعي أو الضروري ، كما قال تعالى : { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [ الواقعة : 21 ] . وبعد أنْ أكل يريد التفكه ، وما دام تشتهيها نفسك تأتيك حتى لو كانت { بِكلِّ فَاكِهَةٍ … } [ الدخان : 55 ] يعني : من كلِّ الأنواع ومن كلِّ الأشكال ، فالواحد منا مهما بلغ من نعيم الدنيا يأكل بعد وجبته الأساسية نوعاً أو نوعين من الفاكهة ، أما في الجنة فيدعون بكل فاكهة يعني يا رب هَات لنا بكلِّ الفواكه . وهنا نسأل : ما البطن التي تتحمل وتتسع لكلِّ هذا ؟ وما هي النفس التي تستقبل كلَّ هذه الأشياء المتماثلة ؟ والله لو كنا في الدنيا لحدثتْ لنا مشاكل في المعدة وفي الأمعاء وغيرها ، أما في الجنة فالأمر مختلف . وانظر إلى ذيل الآية { آمِنِينَ } [ الدخان : 55 ] فجاءت كلمة آمنين لتزيل كل استغراب وتعجُّب ، فهناك كُل كُلَّ ما تحب ، وكُلْ ما تشتهيه نفسُك . إنه أكْل آمِنٌ من معاطب الطعام التي عرفتها في الدنيا ، أكْلٌ أعدَّه لك ربُّك عز وجل ونقَّاه من كُلِّ ما يُنغِّصه ، ومن كُلِّ عيوب الطعام التي عرفتها في الدنيا ، ويكفي في نقائه أنك تأكل منه ما شئتَ ولا تتغوَّط . إذن : نعمة الجنة مُصفاة وخالصة من الشوائب ومن المتاعب . وقوله سبحانه : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ … } [ الدخان : 56 ] أي : في الجنة أيضاً ، فالجنة ظرف وليس في الجنة موت ، إذن : كيف يستثنى فيها { إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ … } [ الدخان : 56 ] إذن : المعنى أنهم لا يذوقون في الجنة الموت ، فالموتُ بالنسبة لهم انتهى بالموتة الأولى التي حدثت لهم في الدنيا ، أما في الجنة فلا موت . وكلمة { يَذُوقُونَ … } [ الدخان : 56 ] جعلتْ حاسَّة الذوْق التي تقتصر على اللسان والمنطقة التي حوله المسئولة عن تذوُّق الأشياء ، جعل هذه الحاسة عامة في كُلِّ الجسم تستوعب كلَّ الحواس الأخرى . كما قال سبحانه في عذاب أهل النار { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] فهو يذوق العذاب لا بلسانه ، ولكن بكلِّ عضو فيه ، وقال سبحانه في آية أخرى : { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] فجعل حاسَّة التذوُّق هنا كاللباس الذي يستوعب الجسم كله ، فكأن كلَّ جزء من جسمه يذوق طَعْم العذاب . وقوله { وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [ الدخان : 56 ] أي : أولاً وقبل هذا النعيم وقاهم عذابَ الجحيم ، فالوقاية من العذاب سابقة لدخولهم الجنة ومقدمة عليه ، لأن القاعدة كما قلنا : التخلية قبل التحلية ، لذلك قال سبحانه : { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ … } [ آل عمران : 185 ] .