Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 57-57)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : أن الجنة وما فيها من النعيم وقبل ذلك الوقاية من العذاب ، كل هذا { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ … } [ الدخان : 57 ] أي : تفضُّلاً منه سبحانه علينا وتكرُّماً منه على خَلْقه ليس بأعمالهم . وهذه المسألة موضع خلاف بين العلماء ، لأن الحق سبحانه قال في آية أخرى : { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النحل : 32 ] وقال أيضاً : { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس : 58 ] . إذن : عندنا آيات تقول بفضل الله ، وآيات تقول بالعمل ، ولا بدَّ أنْ يتصيَّد خصوم الإسلام مثل هذه المسائل ، ويحاولوا أنْ يُشكِّكوا في كلام رب العالمين ، وأنْ يتهموه بالتناقض ، تعالى اللهُ عن ذلك عُلواً كبيراً . ولبيان هذه المسألة نقول : أنت حين تهتم بولدك وتنفق عليه وتعطيه دروساً ليتفوق ، تفعل ذلك لصالحه أم لصالحك أنت ؟ وحين يتفوَّق تأتي له بجائزة تحفزه على الاستمرار في النجاح . إذن : أنت كلفتَ نفسك بأشياء ونفقات لا تعودُ عليك ، إنما تعود على ابنك . كذلك الحق سبحانه وتعالى يتعامل مع خَلْقه ، فالله خلقنا وخلق لنا مُقوِّمات حياتنا ، ثم أعطانا المنهج وأثابنا عليه فانتفعنا بالاستقامة عليه في الدنيا وبالثواب عليه في الآخرة . والحق سبحانه يفعل ذلك وهو الغنيُّ عنَّا ، فله سبحانه كلُّ صفات الكمال قبل أنْ يخلق هذا الخَلْق ، إذن : لا تنفعه طاعة ، ولا تضرُّه معصية . وإياك أنْ تظنَّ أنك بطاعتك لله وعبادتك له سبحانه أنك تسند عرشه جَلَّ وعلا أو تزيد في خلقه ، فأنت المستفيد أولاً وأخيراً بمنهج الله ، وشرفٌ أنْ تنتسبَ إلى هذا المنهج ، وأنْ تكونَ عبداً لله تعالى . لذلك ورد في الحديث القدسي : " يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قَلْب رجل واحد منكم ما نقصَ ذلك من ملكي شيئاً . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد من ذلك في ملكي شيئاً . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد وسألني كلُّ واحد مسألته فقضيتُها له ما نقصَ ذلك في ملكي شيئاً إلا كما ينقص المخْيَطُ إذا أُدخِلَ البحر ، ذلك أنِّي جواد ماجدٌ واجد ، عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إنما أمري لشيء إذا أردتُه أنْ أقول له كُنْ فيكون " . إذن : التكليف الذي يأتينا من الله تعالى لا ينتفع الله منه بشيء ، إنما يعود نفعه علينا ، ولو أخذنا المسألة بالعقل لقُلْنا أنه كان علينا أنْ ندفع الثمن ، فالثواب على الطاعة إذن محْضُ فضل من الله ، بل مجرد التشريع والمنهج الذي كلَّفك الله به محض فضل منه سبحانه . لذلك قال تعالى : { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ الدخان : 57 ] الفوز العظيم أنني حين أسير على وفْق منهج الله أنتفع به في الدنيا وأُثاب عليه في الآخرة . أما قوله سبحانه : { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النحل : 32 ] قالوا : يعني بسبب أعمالكم الصالحة ، فالعمل الصالح ليس ثمناً للجنة ولكنه سببٌ لدخولها ، وقد أوضح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المسألة حين قال : " لا يدخل أحدٌ منكم الجنةَ بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أنْ يتغمَّدني الله برحمته " . وفي ضوء هذا الحديث نفهم قوله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس : 58 ] .