Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 6-6)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : أن الإرسال رحمة من الله بالعباد ، لأنه أمر لنا أنا وأنت من أعلى منا ، لا نجد غضاضة في ذلك ، فلا أحدَّ منَّا يتعالى على الآخر ، لأننا نتلقى أوامرنا من الله ، ولذلك الناس البسطاء في الفلاحين يقولون الأصبع الذي يجرحه الشرع ميخرش دم لأن الكل يُذعن لأمر الله ويخضع لحكمه ويرضى به . إذن : تستقيم بنا الحياةُ حين نسير على المنهج ، لذلك سماه الصراط المستقيم وسماه سواء السبيل يعني : في الوسط لا يميل هنا ولا هنا ، لأنه يريد أنْ يُوفر عليك المجهود ويوفر الوقت ، كل هذا ثمرة المنهج والسير على الصراط المستقيم . وهذه رحمة من الله بنا ، نعم رحمة بنا ألاَّ يتركنا للتجربة يموج بعضُنا في بعض حتى نصلَ إلى الصواب وإلى الحق وإلى الصراط المستقيم ، من رحمته بنا ألاَّ يتركنا نتعاند ونتصادم بعضُنا ببعض ، بل جعل لنا قوانين ، وجعل لنا منهجاً نسير عليه من بداية الطريق . وفرْق بين أمر يُلجئك إلى أنْ تُعدِّل مسارك وبين أمر معتدل من البداية ، من رحمة الله بنا أنْ يجعلنا نسير في اتجاه واحد بحيث تكون كُلُّ الحركات في اتجاه البناء ، وكل المجهودات إلى غاية واحدة ، يتعاون فيها كل الأفراد ، ويتساند فيها كل الأفراد . وإلاَّ لو كانتْ الحركاتُ متصادمة فهي تهدم وتدمر ، وما فائدة أنْ تبني وغيرُك يهدم ، على حَدِّ قول الشاعر : @ مَتَى يبلُغ البُنْيَانُ يَوْماً تَمامَهُ إذَا كُنْتَ تَبْنيه وَغَيْركَ يَهْدِمُ @@ وتأمل لفظ القرآن { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [ الدخان : 6 ] ولم يقُلْ رحمة من الله ، لأن الربّ هَو مُتولِّي التربية والرعاية ، وسبق أنْ قلنا إن الألوهية تكليف والربوبية عطاء ، فهذه الرحمة رحمة الرب الراعي الرحيم كالأم تربي طفلها الصغير وتحنو عليه وتُقوِّيه . وما دام هو سبحانه ربكم ومُربِّيكم وخالقكم كان يجب عليكم أنْ تطيعوه وألاَّ تخرجوا عن منهجه { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [ الدخان : 6 ] السميع لكل آلام الناس وشكاواهم إنْ جهروا بها ، وهو العليم بأحوالهم وما يختلج في صدورهم إنْ كتموها في أنفسهم ، وإنْ كان الخطاب هنا بصيغة المفرد ومُوجهاً إلى سيدنا رسول الله . { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [ الدخان : 6 ] أي : يا محمد . وهذه عناية خاصة من الله برسوله وبيان لمنزلته صلى الله عليه وسلم من الله ، فعيْنُ الله تحرسه ، وعزيزٌ عليه أنْ يصيبه أذىً أو ألم من قومه ، فهو أغلى البشر عنده ، لذلك ربَّاه التربيةَ التي تجعله لا مهدياً في نفسه فحسب ، إنما وهادياً للناس .