Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 17-17)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد يسأل سائل : ما مناسبة هذا الحديث عن اليهود هنا ؟ قالوا : يريد الحق سبحانه أنْ يقول : اذكر يا محمد أن أمتك قريش وغيرها عندهم شيء من طباع اليهود ، وفعلوا كثيراً من أفعالهم ، فأنزلَ الله بهم مثل ما أنزل بسابقيهم . قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ … } [ العنكبوت : 67 ] . فكان أيّ واحد يخرج فقط عن مكة يخطفونه ويغتالونه ويأخذون ماله ومتاعه ، لكن أهل مكة لم يجرؤوا على هذا لمكانتهم من البيت ، وحرصاً على سلامة قوافلهم التجارية التي تسافر بين اليمن والشام وتمر بمعظم القبائل . ثم إن خدمة قريش للبيت وزواره أمَّنت تجارتهم وحمتْ قوافلهم ، ولم لا وهم يستقبلون عندهم في مكة ضيوفَ الرحمن ويقومون على خدمتهم . لذلك نجد أن هذه المسألة هي الرابط بين سورة الفيل وسورة قريش ، اقرأ : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [ الفيل : 1 - 5 ] . فلو قلت : لماذا ردّ الله أصحابَ الفيل وجعلهم كعصف مأكول نجد الجواب في أول سورة قريش : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } [ قريش : 1 - 2 ] فلو هُدم البيت لهدمتْ معه مكانة قريش ، ولضاعت مهابتها من قلوب أهل الجزيرة العربية ، فلم يتمكَّنوا من رحلة الشتاء والصيف . فكأن الحق سبحانه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : أنا عملتُ مع هؤلاء كذا وكذا ، ودافعتُ عنهم ، وجعلتُ لهم مكانة ومنزلة ، ومع ذلك يقفون من دعوتك موقفَ العداء ، لأنك ستسلبهم السيادة المتجبرة والسيادة الطاغية التي اعتادوا عليها . فقوله تعالى : { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ … } [ الجاثية : 17 ] أي : دلائل وعلامات في صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، فما ذهب اليهود إلى مدينة رسول الله إلا لعلمهم بقدومه ، وعلمهم بصفاته وبزمن بعثته ، وكانوا يفتخرون بقدومه ويستفتحون به على الكفار والوثنيين . يقولون : لقد أظلَّ زمانُ نبيٍّ من العرب ، سنتبعه ونقتلكم به قتلَ عاد وإرم ، فلما بُعث رسول الله صادموه وكفروا بدعوته ، كما قال تعالى : { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ … } [ البقرة : 89 ] . وقال تعالى عن معرفتهم لرسول الله : { يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ … } [ الأنعام : 20 ] . لذلك رأينا عبد الله بن سلام وهو أحد أحبار اليهود ، يقول : والله لقد عرفتُه حين رأيته كمعرفتي لابني ومعرفتي لمحمد أشدّ ، ومع هذه المعرفة أنكروا رسالته وكفروا به ، وأغفلوا ما عندهم من علاماته ودلائل نبوته . { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً … } [ النمل : 14 ] . لذلك لما هدى اللهُ عبد الله بن سلام للإسلام ذهب إلى سيدنا رسول الله وقال له : يا رسول الله لقد شرح الله صدري للإسلام لكني أخشى إنْ أسلمت أنْ يذمني اليهود ويتهموني عندما يعلمون ذلك فاسألهم عني يا رسول الله قبل أنْ يعلموا بإسلامي . وفعلاً سألهم رسول الله : ماذا تقولون في ابن سلام ؟ فقالوا : هو سيدنا وابن سيدنا وحَبْرنا وابن حَبْرنا ، وعندها نطق عبد الله بن سلام بالشهادتين وقال : أشهد أنْ لا إله إلا الله وأنك رسول الله . فقالوا : بل هو كذا وكذا وأخذوا يسبُّونه ويشتمونه ، فقال عبد الله : ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بُهْت ؟ ومن العجيب أن كفار مكة حين سألوا اليهود : أنحن أهدى أم محمد ؟ قالوا : بل أنتم أهدى من محمد ، كل هذا لأن لهم سلطة زمنية يريدون الاحتفاظ بها ، وقبل أنْ يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا يُعدون ابن أبيّ ليكون ملكاً عليهم ، وقد جهزوا له تاج الملْك ، لكن سبقه رسول الله ، وما إنْ وصل إلى قباء واستقبله أهل المدينة لم يجدوا مجالاً لذلك ، وظل ابن أبيّ يكظمها في قلبه إلى أنْ مات . وقوله : { فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ … } [ الجاثية : 17 ] أي : في رسول الله { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ … } [ الجاثية : 17 ] برسول الله { بَغْياً بَيْنَهُمْ … } [ الجاثية : 17 ] لأن بعضهم صدَّق برسول الله وأسلم ، وبعضهم كذَّبه وأنكره . وكان منهم مَنْ أثنى عليه رسول الله ، فقال : نِعْمَ اليهود مخيريق وهو رجل شرح الله صدره للإسلام ، وصادف ذلك خروج الرسول لغزوة من الغزوات فخرج مع رسول الله ، ووهب له كلَّ ما يملك دون أنْ يعلن عن ذلك ، وفي هذه الغزوة قُتِل مخيريق دون أنْ يصلي لله ركعة . وقوله سبحانه : { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [ الجاثية : 17 ] أي : في قضية الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم .