Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 23-23)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الإله هو المعبود الذي تكرَّس كلّ حياتك لخدمة مراده منك ، وكلمة المعبود كلمة عامة تُطلق على المعبود بحق ، وهو الله تعالى الخالق الرازق المبدع لهذا الكون وتُطلق على المعبودات بالباطل كالذين عبدوا الأصنام أو الشمس أو القمر . هذه وغيرها معبودات باطلة لا تضر ولا تنفع ، وما عبدها الجهلاء إلا لإرضاء عاطفة التدين عندهم ، فهم يريدون ديناً بلا تكاليف ، وإلهاً بلا أوامر ولا نَواهٍ . ومن هذه الآلهة الباطلة الهوى ، فمن الناس مَنْ يتخذ إلهه هواه ، والهوى في حدِّ ذاته مذموم ، لذلك قالوا : آفة الرأي الهوى . ولما مدح الحق سبحانه رسول الله قال : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [ النجم : 3 ] حتى وإنْ عدَّل له ربه تعالى بعض الأحكام لأنها ساعة الحكم الأول لم تصدر منه عن هوى نفسه ، لذلك قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم : " أدَّبني ربي فأحسن تأديبي " . ثم يُبيِّن الحق سبحانه أن الذي اتخذ إلهه هواه إنسانٌ ضال { وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ … } [ الجاثية : 23 ] أي : حكم بضلاله لأنه جعله مختاراً ، فاختار هواه ، ولو جعله مقهوراً كالسماء والأرض ما استطاع المخالفة ، وقلنا : إن الله يريد منا القلب لا القالب ، يريدنا أنْ نذهب إليه طواعية . يقول الحق سبحانه : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [ الشمس : 7 - 8 ] إذن : لما اختار الضلال ووجده الله تعالى ضالاً حكم عليه أزلاً بأنه ضالّ ، وجاء الواقع كما حكم الحق سبحانه ، وكما علم الله منه . لذلك قلنا : إن الملائكة تظلّ تتعجَّب حينما يروْنَ واقع الحياة وفْق ما كتب في اللوح المحفوظ فيقولون : نِعْم الرب . معنى { أَفَرَأَيْتَ … } [ الجاثية : 23 ] يعني : أعلمتَ سَواء أكنتَ رأيت بعينك أو لم تَرَ ، كما في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [ الفيل : 1 ] أي : ألم تعلم ، لأن رسول الله وُلد في هذا العام ولم يَرَ حادثة الفيل . وقوله تعالى : { وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً } [ الجاثية : 23 ] معنى ختم يعني : ضرب وطمس ، وهنا جمع كل وسائل الإدراك في النفس الإنسانية ، الأذن التي تسمع آيات الله تسمع بلاغة كلام الله ووعده ووعيده ، والبصر الذي يرى الآيات الكونية ويتأملها ويستدل بها على خالقها ومُبدعها ، والقلب محل الاعتقاد . وما ختم الله على كل هذه الوسائل إلا لأن صاحبها أحبَّ الكفر وارتاح إلى الضلال ، فأعانه الله على ما يحب ، وختم على هذه الجوارح حتى لا يخرج منها الكفر ولا يدخلها الإيمان ، وكيف يؤمن مَنْ لا يسمع كلام الله ولا يرى آياته في الكون ولا يميل قلبُه إلى لذة الإيمان بالله . لذلك قال في ختام الآية : { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } [ الجاثية : 23 ] لا أحد يملك هدايته كما قال في موضع آخر : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [ غافر : 33 ] .