Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 9-9)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لأنه بعد أنْ أصرَّ على الإعراض عن آيات الله ، وبعد أنِ استكبر عليها لا بدّ أنْ يعود في لحظة ما إلى نفسه ويُعمل عقله فيما يسمع فيصله بعض العلم عن آيات الله { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً … } [ الجاثية : 9 ] جعلها مجالاً للسخرية والاستهزاء { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ الجاثية : 9 ] وقبل ذلك بشَّره رب العزة بأن له عذاباً أليماً . وهذه ألوان مختلفة من العذاب والعياذ بالله ، فالعذاب الأليم الذي يُؤلم الحواسَّ ويُوجع وتتألم له المادة والأعضاء ، وهذا غير العذاب المهين ، فالجهة كما يقولون مُنفكَّة ، والعذاب المهين هو عذاب النفس حيث يُهينها ويُذلّها ويهدم كرامتها ، لأن بعض الناس قد لا يُؤلمه الضرب الحسِّي ولكن يُؤلمه أنْ تجرح كرامته ولو بكلمة . وهناك في آيات أخرى عذابٍ عظيم يعني : مبالغ فيه ، وهكذا جمع عليهم الحق سبحانه كلَّ ألوان العذاب جزاء استكبارهم ولددهم وعنادهم في آيات الله ، وهي أوضح من أنْ ينكرها منكر . وهنا استخدم المصدر { هُزُواً } [ الجاثية : 9 ] ليدل على المبالغ ، وأن الاستهزاء أصبح صفةً لازمة له لاصقة فيه كما نقول : فلان عادل ، وفلان عدل كأنك جعلْتَه هو والعدل شيئاً واحداً . وفي الآية دليلٌ على أن الإنسان إذا تجرَّد للحق وأخْلى فكره ثم فكَّر بعقله في الأشياء بموضوعية لا بدَّ أنْ يصلَ إلى الخيط الذي يُوصِّله إلى الحق ، فالعودة الصادقة إلى النفس تُؤدي إلى الحق . لذلك الحق سبحانه يُعلِّم الناس كيفية التفكير السليم وكيفية البحث عن الحق ، فيقول : { إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ … } [ سبأ : 46 ] يعني : اتركوا تفكير الجماهير وتعصُّبهم لأنه غير مُنظم ، يؤدي إلى فوضى يتوه فيها الحق . والفكر عمل العقل ، والعقل هو السلطان الذي يعصمك من الآراء الضالة ويُرشدك ويأخذ بيدك إلى الحق ، والعقل حتى في اسمه من العقال الذي يعقل الدابة حتى لا تشرد من صاحبها ، كذلك العقل يعقل صاحبه . إذن : هؤلاء لما عادوا إلى أنفسهم واستعملوا عقولهم عقلوا ووصلوا إلى شيء من الحق ، لكن كبرياءهم وعنادهم منعهم من اتباعه ، وأدلُّ شيء على ذلك قول بعضهم لبعض : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26 ] . ولولا أنهم واثقون من صدق القرآن وتأثيره في النفوس ما قالوا هذا الكلام ، لكن أسلوب القرآن أسَرهم وتغلغل في أعماقهم ، ولو تركوا أنفسهم على طبيعتها لآمنوا ، لكنهم استقبلوا القرآن بنفوس تملؤها نوازع الشر وحُب الانفلات من قيود المنهج الحق الذي أتى به هذا القرآن .