Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 10-10)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كلمة وراء في اللغة لها معانٍ متعددة ، أوضحها في المعنى قوله { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ … } [ آل عمران : 187 ] يعني : خلف ظهورهم . وهذا هو المعنى المشهور لكلمة وراء ؟ لكن تأتي بمعنى الشيء الذي سيأتيك في المستقبل كما في هذه الآية { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ … } [ الجاثية : 10 ] فهي تنتظرهم في المستقبل . وتأتي وراء بمعنى أمام كما في قوله تعالى في آية الكهف : { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [ الكهف : 79 ] فأحداث القصة تقول أن الملك كان ينتظرهم على الشاطئ ليستولي على كل سفينة صالحة فهو أمامهم لا وراءهم . والوراء هو الشيء الذي يوجد دونه ما يُواريه ، والذي يُواري العلم إما حجاب الزمان وإما حجاب المكان ، فنحن مثلاً نجلس الآن في مكان واحد ، ويرى كلٌّ منا الآخر لكنَّا لا نرى مَنْ هو خارج هذا المكان ، فالذي يواريه عنا إذن حجاب المكان . ولما أحدثك عن المستقبل تجد الزمن المستقبل أيضاً محجوباً عنك بحجاب الزمن المستقبل ، كذلك في الزمن الماضي حجبه عنك حجاب الزمن الماضي . وعِلْم الحق سبحانه يخرق كلَّ هذه الحجُب ، والزمن عنده سواء الماضي أو الحاضر أو المستقبل ، لذلك يأتي بالماضي ، ويتحدث عنه كأنه حاضر ، ويقول سبحانه مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم : { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ آل عمران : 44 ] . لذلك يخرق حجاب الزمن المستقبل كما في قوله سبحانه في الصراع بين فارس والروم : { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ … } [ الروم : 1 - 4 ] لأن المسلمين حزنوا لانتصار فارس على الروم . فالفرس كانوا مجوساً ليس لهم علاقة بالسماء ، أما الروم فكانوا أهلَ كتاب ، ويؤمنون بالرسل ، فكان حَظُّ الإسلام أنْ ينتصر الرومُ فبشَّرهم الله بذلك الانتصار قبل أنْ يحدث ببضع سنين ، والبضع في اللغة من ثلاث إلى تسع سنين . فالحق يخبر نبيه بأحداث المستقبل في قرآن يُتلَى ويُتعبَّد به في كلِّ صلاة ، فكيف يُعلن الرسولُ هذه البشارة ويسمعها الناسُ في فارس وفي الروم ؟ إذن : يعلنها وهو واثق أنها حَقٌّ وصِدق ، ولا بدَّ أنْ تتحقق . هذا خَرْق لحجاب المستقبل ، وفعلاً بعد بضع سنين انتصر الروم على فارس ، وصادف ذلك انتصارَ المسلمين على الكافرين في بدر ، فقال سبحانه : { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ … } [ الروم : 4 - 5 ] . فقوله سبحانه : { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ … } [ الجاثية : 10 ] يعني : تنتظرهم في المستقبل ، فهي أمامهم وهذا من خَرْق حجاب الزمن المستقبل . { وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً … } [ الجاثية : 10 ] يعني : لا يدفع عنهم شر ما هم فيه بسبب ما اكتسبوه في الماضي من عبادة الأصنام وتأليه لخَلْق الله ، وهل يغني الصنم عن عابده وهو الذي صنعه ؟ وهو الذي يقيمه إذا قلبه الهواء وأطاح به ؟ كذلك مَنْ عبدوهم من البشر سوف يسبقونهم إلى جهنم . إذن : لا ناصرَ لهم ولا دافعَ عنهم . واستخدم هذا الفعل المجرد كسب في الشر ، ولم يقل اكتسبوا . وسبق أنْ بينَّا أنَّ كسب للخير واكتسب للشر ، لأن الخير والطاعة تأتي طبيعية لا افتعال فيها ، على عكس المعصية فهي تحتاج إلى افتعال واحتيال . ولا تُستخدم كسب في الشر إلا إذا أصبح الشرُّ عادة وأخذ عند صاحبه حكم الكسب ، فلم يَعُد يأنف منه وهَانَ عليه أنْ يقع فيه مرة بعد مرة حتى أصبح الشر عادته . فقال : { مَّا كَسَبُواْ … } [ الجاثية : 10 ] أي : من الشر { وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ الجاثية : 10 ] أي : الآلهة التي عبدوها من دون الله ، كذلك هي لا تُغني عنهم { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ الجاثية : 10 ] فالأمر لا ينتهي عند خذلانهم وعدم الدفاع عنهم ، بل ولهم عذاب عظيم . يعني : شديد ومُبالغ في الإيلام .