Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 14-14)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ … } [ الأحقاف : 14 ] إشارة للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، فالحق يُحدِّثنا عن جزائهم وعاقبة إيمانهم واستقامتهم ، فهم { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ … } [ الأحقاف : 14 ] أصحابها إما مالكوها ، وإما أنها مصاحبة لهم وهم مصاحبون لها ، يعني : بينهما علاقة وُدٍّ وتفاهم وميْل ، كلٌّ منهم يميل إلى الآخر ويشتاق إليه . والصاحب هو مَنْ تصطفيه من خلق الله ممَّنْ توافق أخلاقه أخلاقك ، وطباعه طباعك ، وسلوكه سلوكك . فهؤلاء الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا اختاروا الجنة واختارتهم واتخذتهم أصحاباً وأصفياء . وقد ورد أن الجنة تشتاق إلى أهلها وتنتظرهم وتسأل عنهم ، كما أن النار تشتاق إلى أهلها وتنتظرهم . ولا غرابةَ في ذلك ، فكلُّ مخلوق له لغته التي يعبر بها ، حتى الجمادات . وقال تعالى : { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ … } [ النور : 41 ] فكلّ يُسبِّح بلغته هو أنت لا تفهمها لأنه لا يتحدث بلغتك ، إنما الذي خلقها أعطاها لغة خاصة تتفاهم بها مع جنسها . والقرآن يُخبرنا أن النملة تكلمتْ مع بني جنسها وتفاهمتْ معهم ، وسمع سليمان كلامها وشكر الله أنْ أعطاه نعمة الفهم عن هذه المخلوقات ، لذلك صوَّبنا مقولة : إن الحصى سبَّح في يد رسول الله . فهذه ليستْ ميزة لأن الحصى مُسبّح بطبيعة الحال ، فهو يُسبِّح حتى في يد أبى جهل ، لكن الصواب أنْ نقول : سمع رسول الله تسبيح الحصى في يده . { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا … } [ الأحقاف : 14 ] لأن نعيم الجنة باقٍ خالد لا ينتهي ولا يُنغصه ما يُنغص نعمة الدنيا ، فلا يفوتك ولا تفوته { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأحقاف : 14 ] قالوا : هذا الجزاء أهو حَقٌّ للعبد ؟ أم هو تفضل من الله ؟ قالوا : الجنة تفضل من الله ، والعمل ما هو إلا سببٌ لا ثمنٌ لدخولها ، لأن الحق سبحانه وتعالى حينما شرع لنا الشرائع إنما شرعها لمصلحتنا ولسلامتنا واستقامة أمور حياتنا على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة . فنحن نجني ثمرة العمل الصالح ونسعد به في دنيانا ، ومع ذلك يثيبنا الله عليه بثواب الآخرة دون أنْ يعود منه شيء على الله تعالى ، ودونَ أنْ ينتفع منه بشيْ . إذن : دخول الجنة زيادة وتفضّل من الله . وقوله : { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأحقاف : 14 ] فيه لفتة : ما هو العمل ؟ العمل انفعال الجارحة لمهمتها ، فاليد تتحرك واللسان ينطق والعين ترى وهكذا ، لكن لو تأملتَ العمل تجده على قسمين : قول وفعل ، فأخذ اللسانُ وحده شطر العمل ، وأخذتْ باقي الجوارح الشطر الآخر ولذلك : يقولون ، ويفعلون ولأن بالقول بلاغ المنهج الذي تنفعل له الجوارح طاعة أو معصية .