Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 16-16)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكلمة { أُوْلَـٰئِكَ … } [ الأحقاف : 16 ] إشارة لمن سبق ذكرهم وأوصافهم { ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ … } [ الأحقاف : 16 ] المشهور عن الفعل تقبل أنه يتعدَّى بمَنْ ، كما جاء في قول سيدنا إبراهيم : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ … } [ البقرة : 127 ] . وفي موضع آخر : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ … } [ الشورى : 25 ] . إذن : يتعدى مرة بـ من ومرة بـ عن ولكلٍّ معنى ، فقوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ … } [ الأحقاف : 16 ] يعني : أن التوبة تحمل عنك عبءَ المعاصي وثقلها ، لأنها تزحزحها عنك . لذلك قال : { عَنْهُمْ … } [ الأحقاف : 16 ] لأن مجيء حرف مكان حرف لا بدَّ أن له حكمة ، وأنه يضيف معنى لا يعطيه الحرف الآخر ، وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة في قول الحق سبحانه : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ … } [ إبراهيم : 39 ] ورأينا كلّ المفسرين يقولون : على هنا بمعنى : مع الكِبَر . وبتأمل الآية نجد مع حرفان وعلى ثلاثة أحرف ، فلماذا عدل القرآن عن مع وجاء بـ على ؟ كيف يترك السهل في حرفين إلى الثلاثة ؟ ولما نتأمل مسألة كِبَر سيدنا إبراهيم نجد أن المعيّة التي تفيدها مع لا تكفي ، فالمراد حرف يعطي المعية المتغلّب عليها ، فالكِبَر موجود مع سيدنا إبراهيم ومصاحب له ، لكنه كِبَر مُتغلَّب عليه بقدرة الله . فكأن طلاقة القدرة علَتْ على قانون الكبر ، وخرقتْ الناموس فجاء إسماعيل على هذا الكبر ، وهذا المعنى لا يقوم باستخدام مع بل على . كذلك في قوله تعالى : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ الرعد : 6 ] فكأن الذنب يقتضي العقوبة ، لكن مغفرة الله علَتْ على العقوبة وتغلّبت عليها . إذن : حينما يستخدم حرفاً مكان حرف فلا بدَّ أنه يضيف معنىً لا يضيفه الحرف الأول . إذن : { نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ … } [ الأحقاف : 16 ] حملنا عنهم عبء ما كان قبل التوبة ، وفي موضع آخر يشرح الحق سبحانه هذا المعنى : { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ … } [ الفرقان : 70 ] حتى قال أحدهم : والله لقد أسفتُ أنِّي لم أرتكب الكبائر ، لأن الله كان سيُبدلها حسنات ، وهذا خطأ ، فمَنْ يدريك أنك ستعيش حتى تتوب ؟ وقوله : { وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ … } [ الأحقاف : 16 ] أي : نعفو عنها ونتسامح { فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ … } [ الأحقاف : 16 ] سبق أنْ قلنا : أصحاب الجنة يعني بينهم وبينها مصاحبة أو صداقة ، أو أصحابها يعني المالكين لها . لكن هنا يقول { فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ … } [ الأحقاف : 16 ] فكأن هؤلاء الذين نتحدث عنهم في وسط الجنة ، وأهل الجنة محيطون بهم ، فهم في المركز ، هذا الفهم جاء من معنى في هنا ، لكن لماذا استحقّ هؤلاء أنْ يكونوا في الوسط وفي المركز وأهل الجنة حولهم ؟ قالوا لأن الذي أَلِفَ المعصية ثم يذهب إلى الطاعة تشقّ على نفسه بعد أنِ استهوى المعصية وارتاضَ عليها ، فهو يجاهد نفسه للاستمرار على الطاعة ، على خلاف مَنْ لم يُجرب المعصية ، فالطاعة عنده طبيعية لا تحتاج إلى مجاهدة كالأول ، لذلك يعاملهم الله بهذا التساهل وهذا الفضل فيُبدِّل سيئاتهم حسنات ، وهذا منتهى الكرم . ثم يُطمئنهم الحق سبحانه وتعالى : { وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } [ الأحقاف : 16 ] فكأنهم لا يُصدِّقون أن الله يعاملهم بكلِّ هذا الفضل ، فيُذكِّرهم أن هذا وعد الله ، ووَعْد الله وعد صدق لا يُخلَف أبداً ، ولا يوجد مَنْ ينقضه أو يفسخ هذا الوعد . والحق سبحانه يعطي عباده كلّ هذه التسهيلات والإغراءات ، فيقبل توبة التائبين ويعفو عن المسيئين ، ويُبدِّل سيئاتهم حسنات ، لا لنجاة التائب وحده ، وإنما لنجاة المجتمع كله ، فلو لم تشرع التوبة لشَقِيَ المجتمع بكلِّ عاصٍ سُدّ في وجهه بابها ، ولاستشرى الشر وساد .