Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 18-18)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نلاحظ أن الكلام كان في الآية السابقة عن مفرد ، وهو الذي قال لوالديه أفٍّ لكما لكن هنا يشير إليه الحق سبحانه بصيغة الجمع { أُوْلَـٰئِكَ … } [ الأحقاف : 18 ] فيأتي بالقرار ويخبر عنه { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ … } [ الأحقاف : 18 ] . كأن الذي لا يفهم منها المفرد إنما يفهم منها الجمع ، كما في قوله تعالى { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ العصر : 1 - 3 ] فاستثنى الجمع من المفرد . وقالوا في هذه الآية ما قالوا في الآية السابقة . أي : أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ، وهذا القول لا يستقيم مع معنى الآية لأن سيدنا عبد الرحمن أسلم وحسُن إسلامه ، وهذه الآية تتحدث عمَّنْ حَقَّ عليهم العذاب . إذن : نزلت في شخص آخر غير عبد الرحمن . وقد ورد لهذه المسألة قصة في كتب التاريخ ، فالذي قال أنها نزلت في عبد الرحمن هو مروان بن الحكم ، وكان أميراً على المدينة . فلما بايع معاوية ابنه يزيد بالخلافة طلب من مروان أنْ يأخذ البيعة ليزيد ، فاعترض على ذلك عبد الرحمن بن أبي بكر . وقال : أجعلتموها هرقلية ؟ يعني : ملكية يخلف الولدُ والده ؟ فقال : اسكت يا هذا ، ثم قال : أتعلمون من هذا ؟ هذا الذي قال الله فيه { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ … } [ الأحقاف : 17 ] . وبلغتْ هذه المقولة السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت : والله ما هو ، ولو شئتُ أنْ أُسمِّي الذي قيلتْ فيه لقُلْته ، ولكن قولوا لمروان : إن الله قد لعنك في ظهر أبيك . ذلك لأن الحكمَ بنَ العاص كان يوماً يُقلِّد رسول الله في مشيته استهزاءً به ، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فرآه ، فأشار إليه بيده فنُفِي إلى الطائف ، وبعد العزِّ الذي كان فيه في المدينة صار يرعى الغنم ، إلى أنْ جاء سيدنا عثمان وتشفَّع له عند رسول الله فأذن له . ولكن الصحابة قالوا : لم نسمع من الرسول ، فقال عثمان : أنا سمعته . ومعنى { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ … } [ الأحقاف : 18 ] يعني : وجب وثبت لهم العذاب الذي حذرناهم منه { فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ … } [ الأحقاف : 18 ] يعني : مضتْ وذهبت { مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } [ الأحقاف : 18 ] لأن الله قال عن المؤمنين { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 1 ] . ففي المقابل ، وخسر الكافرون المكذبون . وهذه الآية تدل على أن الجن أيضاً مكلّف ، ومنهم الطائع والعاصي ، والمؤمن والكافر ، لذلك قال في سورة الجن : { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [ الجن : 15 ] إذن : سيُعذَّبون بما يناسب طبيعتهم .