Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 34-34)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه لقطة أخرى لمسألة العرض على النار والعياذ بالله ، فقبل هذه قال سبحانه : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا … } [ الأحقاف : 20 ] فذكر لهم علة عَرْضهم على النار ، وهي استنفاد الطيبات كلها في الدنيا ، بحيث لم يبق لهم شيء في الآخرة . لذلك قلنا : إن النعمة التى تشغل صاحبها عن المنعم هي في الحقيقة نقمة عليه ووبال ، والنعمة حقيقة هي التي تُذكِّرك بالمنعم ، لذلك علَّمنا سيدنا رسول الله حينما نرى نعمة عندنا أو عند غيرنا أن نقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله . فترد الفضل إلى صاحبه وتبرىء نفسك من الغرور ، ونسبة النعمة إلى نفسك ، وأنها جاءت بفضل مهارتك وشطارتك ، كما حصل من قارون فقال : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ … } [ القصص : 78 ] . فكانت النتيجة : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ … } [ القصص : 81 ] وكأن الحق سبحانه يقول له : ما دُمْتَ أوتيته على علم عندك فاحرسه بعلم من عندك أيضاً . " يُرْوى أن سيدنا عمر رضي الله عنه دخل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجده ينام على حصير قد أثَّر في جنبه ، ولم يجد عنده شيئاً يلفت نظره من متاع الدنيا ، فتألم لحال رسول الله ولم يستطع إخفاءَ ما في نفسه . فقال : يا رسول الله ادع الله أنْ يُوسِّع على أمتك كما وسّع على فارس والروم ، فنظر إليه رسول الله وقال : " أفِي شَكّ أنت يا بن الخطاب ؟ هؤلاء قوم عجلتْ لهم طيباتهم فى حياتهم الدنيا " . وذكرنا قول عمر بن عبد العزيز : والله لو شئتُ أنْ أكون أطيبكم طعاماً ، وأحسنكم لباساً لفعلتُ ، ولكني أستبقي ، لذلك قال تعالى : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 24 ] . إذن : من ذكر الجزاء واستحضر نعيم الآخرة هانتْ عليه مشقةٌ الطاعة في الدنيا ، كالتلميذ الذي يذاكر ويسهر ويحرم نفسه لذة الراحة شَوْقا إلى لذَّةٍ أعظم هي لذة النجاح . قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ … } [ الأحقاف : 34 ] الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ويوم ظرف زمان يعني : اذكر يوم يُعرض الذين كفروا على النار وذكِّرهم به . وقُلْ لهم : { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ … } [ الأحقاف : 34 ] أي : الحق الذي كنتم تُكذِّبونه ها هو أصبح واقعاً . وسبق أنْ بيَّنا أن العلم ثلاث مراحل : علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ، فالإخبار عن الآخرة وما فيها من ثواب وعقاب علم يقين ، ثم حين نرى هذا الجزاء يصير عين اليقين ، ثم حين نباشره ويدخل أهلُ الجنة الجنةَ وأهلُ النار النار يصير حقّ اليقين . وهذه المراحل ذُكرتْ في موضعين في قوله تعالى : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [ التكاثر : 1 - 8 ] . أما حق اليقين فذُكِر في قوله تعالى : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 92 - 96 ] . وقوله : { قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا … } [ الأحقاف : 34 ] هذا جوابهم على السؤال { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ … } [ الأحقاف : 34 ] والجواب بـ بَلَى هنا يعني نعم ، لأن نفي النفي إثبات ، نعم هذا هو الحق الذي كُنَّا نكذبه ولا يكفيهم الإقرارُ به ، بل ويُقسمون أيضاً لتأكيد المسألة . { بَلَىٰ وَرَبِّنَا … } [ الأحقاف : 34 ] لأنهم عاينوه وباشروه ، ثم يأتي الحكم النهائي { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } [ الأحقاف : 34 ] أي : بسبب كفركم .