Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 35-35)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحق سبحانه يُسلِّيه ويثبته ليتحمل الإيذاء من الكافرين ، فليس هو بدعاً في ذلك ، فقد سبقه كثير من إخوانه الرسل ، فليصبر محمد كما صبروا . تعرفون أن سيدنا رسول الله تعرَّض لكثير من أذى قومه ، آذوه بالقول فقالوا : ساحر وشاعر ومجنون وكاهن وكذاب . ثم تعدّى الإيذاء إلى الإيذاء بالفعل ، فاعتدوا عليه في الطائف حتى أدموا قدميْه ، وكُسرت رباعيته في أُحد ، ورموا على ظهره سلى البعير وهو يصلي . آذوه في نفسه ، وآذوه في أهله وفيمن آمن معه ، بل تآمروا على قتله ، وضيَّقوا عليه حتى اضطروه لترك مكة والهجرة إلى المدينة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يتحمل ذلك كله لكنه بشر ويشقّ عليه ذلك . فأراد الحق سبحانه أنْ يضع أمامه أسوة ونموذجاً لمَنْ صبر من الرسل السابقين { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ … } [ الأحقاف : 35 ] . فسيدنا إبراهيم عليه السلام وصل الأمر به إلى أنْ أُلقِيَ في النار ، ومع ذلك لم يُفقده الموقف ثقته بربه ، بدليل أن جبريل عليه السلام لما عرض عليه أنْ يطفىء هذه النار قال له : أما إليك فلا فجاء الأمر من السماء { يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [ الأنبياء : 69 ] . في صِغَره ابتُلي في نفسه ، وفي كبره ابتُلي بذبح ولده الوحيد ، وصبر على الابتلاء ففدى الله الذبيح إسماعيل ، وزاده على ذلك بولد آخر هو سيدنا إسحاق ومن بعده سيدنا يعقوب ، وكلهم كانوا أنبياء . وجاء هذا العطاء نتيجة التسليم لله في قضائه وقدره والرضا به . ولنا في أبي الأنبياء أُسوة في الرضا بالقضاء ، وأنْ نربي أجيالنا على ذلك ، لأن التسليم والرضا بقضاء الله أول أسباب رفع القضاء ، فلا يُرفع قضاء حتى يرضى صاحبه به ، وإلا ظلَّ البلاء نازلاً به . والذين يطول عليهم قضاء الله هم سبب ذلك ، لأنهم في الواقع معترضون ، ولو رضُوا لرفعه الله عنهم ، مثل الأب الذي يضرب ولده على خطأ ارتكبه ، فإنْ خضع وانصاع لوالده تركه ، بل ويحنو عليه ويرضيه . فإن اعترض زاده ضرباً . إذن : الله تعالى يريد أنْ يُربي عبده بالابتلاء ، لذلك ورد في الحديث القدسي : " مَنْ رضي بقدري أعطيته على قَدْري " . كذلك من أولي العزم سيدنا نوح عليه السلام وظل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل وكانوا يضربونه حتى يُغمى عليه . انظر إلى الابتلاءات التي مر بها سيدنا يوسف ، ففي صِغَره أُلقيَ في الجُبِّ ، وبيع رقيقاً ، وفي كبره ابتُليَ بامرأة العزيز وألقي في السجن ، لكنه صبر فمكَّن الله له { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ … } [ يوسف : 56 ] . وسبق أنْ بيَّنا أن الأقدار لا تخلو من حكمة ، وأن الحدث لا ينفصل عن فاعله ، فقبل أنْ تعترض انظر من الفاعل . والنبي صلى الله عليه وسلم حين يتأمل مواكب إخوانه من الرسل السابقين وما تعرضوا له يهون عليه إيذاء قومه ، ويكون ذلك تسلية له . وقوله تعالى : { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ … } [ الأحقاف : 35 ] يعني : لا تستعجل عذابهم ، خاصة وأنهم كانوا يستعجلون العذاب جهلاً وعناداً منهم ، لذلك خاطبه ربه بقوله : { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ غافر : 77 ] يعني : إنْ مُت يا محمد قبل أنْ ترى انتقام الله منهم فموعدهم الآخرة . وقوله : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ … } [ الأحاقف : 35 ] يعني : يوم القيامة { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ … } [ الأحقاف : 35 ] يعني : تمر مرحلة البرزخ كأنها ساعة من نهار ، فمنذ مات سيدنا آدم وإلى أنْ تقوم الساعة وهو لا يشعر بهذا الوقت ، وما هو بالنسبة له إلا ساعة من نهار ، لأن الوقت كما قلنا فرعُ الحدث ، فإذا لم يوجد الحدث لا يوجد الوقت ، كما عند النائم مثلاً . وهذا رأيناه في قصة أهل الكهف ، فقد ألقى اللهُ عليهم النوم فناموا { ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } [ الكهف : 25 ] ومع ذلك لمَّا قاموا قالوا : { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ … } [ الكهف : 19 ] لماذا لانعدام الأحداث التي تشعر بالزمن ، إذن : لا تستعجل لهم العذاب لأنها مجردُ ساعة مهما طال الزمنُ . وتعرفون قصة العُزير { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ … } [ البقرة : 259 ] . وقوله سبحانه : { بَلاَغٌ … } [ الأحقاف : 35 ] البلاغ : هو الوصول للغاية يقول تعالى : { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ … } [ إبراهيم : 52 ] يعني : نهاية ما يمكن أن أعظكم به . وما دام قال سبحانه هذا إذن : لا بد أن يحدث ولا يمنعه شيء لأنه إله واحد لا شريك له ولا معارض { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ الأحقاف : 35 ] . الفسق : الخروج عن الطاعة ، وهو سبب الهلاك في الآخرة أو حتى في الدنيا .