Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 8-8)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أنْ قالوا عن القرآن أنه سِحْر سَحَر به محمد أصحابه فآمنوا به . قالوا : إنه افتراء افتراه محمد ، والافتراء هو الكذب المتعمد ، فردَّ الله عليهم { قُلْ … } [ الأحقاف : 8 ] قل لهم يا محمد { إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً … } [ الأحقاف : 8 ] . يعني : لا تدفعون عني عذابَ الله إن افتريت عليه وكذبت في البلاغ عنه ، لذلك يقول سبحانه في آية أخرى تُوضح هذه المسألة : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ * فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 44 - 47 ] . فكيف يكذب رسول الله على الله بعد هذه الكلمة ، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبل بعثته عُرِف بين قومه بالصادق ، لأنهم لم يُجربّوا عليه كذباً قط . تعرفون " قصة الصحابي الجليل خزيمة بن ثابت مع رسول الله عندما اشترى رسول الله فرساً من يهودي اشتراه نسئ الثمن ، وفي يوم لقيه رسول الله وأعطاه الثمن دون أنْ يكون بينهما شاهد على السداد ، فاستغل اليهودي هذه الفرصة وادعى على رسول الله أنه لم يُعطه ثمن الفرس . فلما كلَّمه رسول الله قال : هَات لي شاهداً ، فقام خزيمة ، وقال : أنا أشهد يا رسول الله أنك أعطيتَهُ ثمن الفرس ، فبُهت اليهودي وظنَّ أن خزيمة كان موجوداً لكن لم يره . بعدها استدعى رسول الله خزيمة ، وقال له : يا خزيمة ما حملكَ على أنْ قلتَ ما قلتَ ولم تكُنْ موجوداً ، ولم تشهد هذه المسألة ؟ فضحك خزيمة وقال : يا رسول الله أُصدِّقك في خبر السماء وأكذِّبك في عدة دراهم ؟ فتبسَّم رسول الله وأعطاه نيشاناً غالياً ، فقال : " مَنْ شهد له خزيمة فحسبه " " ومن يومها وشهادة خزيمة تعدل شهادةَ رجلين . وهذا النيشان انتفع به المسلمون في مسألة جَمْع القرآن ، حيث كان جامعو القرآن لا يكتبون الآية إلا إذا وجدوها مُسجَّلة في الرِّقاع ، وشهد على صحتها اثنان من العدول ، حتى جاءوا في آخر سورة التوبة ، فوجدوا آية مكتوبة وليس لها إلا شاهد واحد هو خزيمة ، فأخذوا بشهادته وحده ، لأن شهادته تعدل شهادة رجلين . وتأمل أدب الحوار حتى مع المخالفين لرسول الله ومع الذين يتهمونه بالكذب اتهاماً صريحاً ، يقول لهم : { إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ … } [ الأحقاف : 8 ] وإنْ تفيد الشك { فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً … } [ الأحقاف : 8 ] يعني : لا تدفعون عني عذاب الله { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ … } [ الأحقاف : 8 ] بما تكثرون فيه الكلام والاتهام ، وادعاء أن القرآن مكذوب . { كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [ الأحقاف : 8 ] يرجع الأمر إلى الله ويُفوّض أمره إليه ، ويرضى بشهادته بينه وبين خصومه ، وشهادة الله هي شهادة الحق وشهادة الصدق . لذلك شهد الله بها لنفسه سبحانه شهادةَ الذات للذات : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } [ آل عمران : 18 ] وشهدتْ بها الملائكة ، شهادةَ مشهد ، وشهد بها أولو العلم شهادةَ استدلال { وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [ آل عمران : 18 ] . إذن : في هذه القضية رسول الله لا يستطيع أنْ يأتي بشاهد على صدقه في تبليغ القرآن عن الله ، فيكتفي بأنْ يجعل الله شاهداً بينه وبينهم . وهذا من أدب الحوار الذي تأدَّب به سيدنا رسول الله ، فهم يتهمونه بتعمُّد الكذب وهو يتودد إليهم ، وفي موضع آخر يرد عليهم فيقول الحق سبحانه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } [ هود : 35 ] . وقوله في ختام الآية { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [ الأحقاف : 8 ] كأنه يتحنن إليهم ، ويستميل قلوبهم ، فرغم هذا الادعاء الكاذب فما يزال باب المغفرة والرحمة مفتوحاً أمامكم . ثم يقول الحق سبحانه : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ … } .