Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 15-15)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كلمة { مَّثَلُ … } [ محمد : 15 ] تقال بكسر الميم ، حينما تُشبِّه مفرداً بمفرد . تقول : هذا مِثل هذا ، وبالفتح حينما تُشبِّه صورة لها أجزاء بصورة أخرى لها أجزاء ، لذلك هنا يقول تعالى : { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ … } [ محمد : 15 ] يفتح الميم ، لأنها تمثل جمعاً وصورة كلية لها عناصر وأجزاء متعددة . اقرأ قوله تعالى : { مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا … } [ الكهف : 45 ] أي : بما فيها من الميلاد إلى الموت { كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } [ الكهف : 45 ] . والمثل تشبيه تلحق فيه مجهولاً لك بمعلوم عندك ، لذلك سيدنا رسول الله لما سُئِلَ عن أوصاف سيدنا موسى وسيدنا عيسى عليهما السلام شبَّههما بما هو معلوم للصحابة ، فقال : أما موسى فرجل طوال كأنه من رجال أزد شنوءة ، وهي معروفة عندهم ، وأما عيسى فكثير خيلان الوجه - يعني في وجهه حسنات كثيرة - يقطر وجهه ماءً كأنما خرج من ديماس يعني : من حمام ، وأشبهه من أصحابي عروة بن مسعود الثقفي ، إذن : شبَّه المجهول بما هو معلوم . كذلك ضرب رسول الله لنا الأمثال ليوضح لنا أمور الدين ، فقال في حديثه : " أنما مثَلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبُّهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلَّتون من يدي " . وكلمة { ٱلْجَنَّةِ … } [ محمد : 15 ] في أصلها تعني الشيء المستور ومنها الجن ، وجنَّ الليل ، حتى جنة الدنيا تحمل هذا المعنى ، لأنها قطعة الأرض المليئة بالأشجار متشابكة الأغصان بحيث تستر وتُخفي ما فيها ، أو تجنّ صاحبها يعني تستره وتمنعه من الخروج منها حيث توفر له كلَّ متطلبات حياته . والحق سبحانه ضرب المثل بها : { كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ … } [ البقرة : 265 ] . وقال : { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ … } [ الكهف : 32 ] . والفرق بين الجنتين أن جنة الدنيا من صُنع البشر ومباشرة الأسباب في الحرث والزرع ، أما جنة الآخرة التي وعدها الله المتقين فهي قائمة بلا أسباب ، قائمة بقدرة المسبِّب ، لذلك حدث اختلاف في الجنة التي دخلها سيدنا آدم عليه السلام : أهي جنة الدنيا ، أم جنة الآخرة ؟ حينما نقرأ هذه القصة في كتاب الله نعلم أنها جنةُ الله جنة الآخرة ، بدليل أنه لم يحرث فيها ولم يزرع ، ولم يباشر أسباباً ، إنما أكل مما أعده اللهُ له ، وكان في أمان ذاتي مدة إقامته على طاعة أمر الله في الأكل . فلما أغواه الشيطان أنْ يأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها حدث له تغيُّر في الوضع الطبيعي الذي كان فيه ، ورأى من نفسه مسألة الإخراج التي لم يألفها من قبل ، وتنبه إلى عورته وراح يسترها بورق الأشجار هو وزوجه . وكانت هذه المسألة عملية تدريب لآدم على احترام المنهج وعدم الخروج عليه ، ونحن نفهم أيضاً كذلك أنه لا تظهر عورة في المجتمع المسلم إلا حين يحدث انحراف عن المنهج ، وآدم عليه السلام لم يكُنْ رجلاً عادياً ، إنما كان نبياً رسولاً ، فأراد الحق سبحانه أنْ يعلمه الدرس بصورة عملية . وقوله تعالى : { وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ … } [ محمد : 15 ] أي : وعدهم الله بها ووَعْد الله حَقٌّ نافذ ، لأنه إله واحد ليس معه شريك يعارضه ، ولا توجد قوة تحول بينه سبحانه وبين إنفاذ ما وعد ، كما يحدث مثلاً في وعد البشر بعضهم لبعض ، لأن البشر يطرأ عليهم التغيير ويلحق بهم الموت . أما الحق سبحانه فهو الدائم الباقي وهو الحق . والجنة وَعْد الله لا يعد بها غيره ، يعد مَنْ ؟ يعد بها المتقين ، والمتقي هو الذي يسير وفق منهج الله ، وأنْ يَجعل بينه وبين عذاب الله وقاية ، ولا يكون ذلك إلا باتباع المنهج وعدم اتباع الشيطان والهوى . قال تعالى : { ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 268 ] . ووعَدْ الله وعد الصدق ووعد الحق قال تعالى : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } [ النساء : 122 ] . قوله تعالى : { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ … } [ محمد : 15 ] يعني : أن هذا الوصف ليس وَصْفاً للجنة ، لكن مثل يُقربها للأذهان ، لأنه لو أراد أن يعطينا وصفاً للجنة على حقيقتها لن يصل إلى ذلك إلا من خلال الألفاظ التي تعبر عن المعاني . ومعلوم في اللغة أن المعنى يُوجد أولاً ، ثم نضع له اللفظ الدال عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما وصف لنا الجنة قال : " فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطر على قلب بشر " . أولاً : تأمل في الحديث هذا الترقي في الحواس والإدراكات ، فالعين ترى ما كان في مجال الرؤية ، أما الأذن فتسمع ما تراه أنت وما يراه غيرك ، وأوسع من هذا كله ما يخطر بالبال أو القلب . فإذا كنا لا نصل بإدراكاتنا إلى ما في الجنة ، ولا حتى يخطر لنا على بال ، فكيف نصفه ؟ وكيف نضع له الألفاظ المعبِّرة عنه ؟ إذن : هذا ليس وصفاً لحقيقة الجنة ، إنما مجرد مثل يقربها من أفهامنا ، لذلك قال تعالى عن الجنة : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ … } [ السجدة : 17 ] . إذن : فيها أشياء لا نعرفها ، فكيف نضع لها أسماء ؟ لذلك نقربها بمثَل مما نعرفه في الدنيا . ففيها كما في الدنيا ماء ولبن وخمر وعسل ، لكنه مُشذّب ، ومُصفّى من كل ما يشوبه ، فلا يشبه نعيم الدنيا إلا في الأسماء { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ … } [ محمد : 15 ] . فماء الدنيا يأسن ويعطن وتتغير رائحته ، أما ماء الجنة فماء غير آسن ، وبدأ بالماء لأنه الأصل في الارتواء من العطش ، وبه ينضج الطعام ، وبه تتم نظافة الإنسان ، بل هو عنصر أساسي في خلق كل كائن حي ، قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ … } [ الإنبياء : 30 ] . وإذا كنا نعرف أن مصدر الماء العذب في الدنيا هو البحار ، وبعملية البخر وتكوّن السحب يُنقّى من الملوحة فيصير عذباً صالحاً ، فماء الجنة لا نعرف مصدره . قال الله عنه { مَآءً طَهُوراً … } [ الفرقان : 48 ] لا تشوبه شائبة ، ولا تلحق به مُلوِّثات تفسده ، إذن : نعمة لا يُنغِّصها شيء ولا تشوبها شائبة ، لأنك في الدنيا تعيش بأسبابك التي خلقها الله لك . ومنا مَنْ يعكر صفو هذه الأسباب ، أما في الآخرة فأنت تعيش بالمسبِّب سبحانه مباشرة ، أنت تستضيء في الدنيا بالشمس نهاراً ، وبالقمر والنجوم ليلاً ، أما في الآخرة فلا شمسَ ولا قمر ولا نجوم ، إنما تعيش بنور الله { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا … } [ الزمر : 69 ] يعني : بلا أسباب . كذلك الماء تأخذه في الدنيا بالأسباب ، وفي الجنة بلا أسباب ، واقرأ قوله تعالى عن الماء في الدنيا : { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ … } [ الحجر : 22 ] . وقال عن ما ء الجنة : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [ الإنسان : 21 ] . وفرْق في المعنى بين أسقى وسقى : أسقى : أوجد الماء الذي نستقي منه إنْ أردنا السُّقْيا . فينزل الماء من السحاب فنحجزه وراء السدود حتى نحتاج إليه ، لكن سقى باشر السُّقيا بالفعل . ومن العجيب في أنهار الجنة أنها ليس لها شُطآن ، وأنها متداخلة دون أنْ يختلط بعضُها ببعض ، ولا تسأل هنا عن كيفية ذلك ، لأن هذا النعيم لا يقوم بالأسباب التي نعرفها ، بل بالمسبِّب سبحانه ، فلا يحكم عليها حكمك على مثلها في الدنيا . وقوله : { فِيهَآ … } [ محمد : 15 ] أي : أنها ظرف لهذه الأنهار . { وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ … } [ محمد : 15 ] ولبن الدنيا يتغير طعمه بمرور الوقت ويفسد { وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ … } [ محمد : 15 ] نعم أنهار من خمر مُعدَّة وجاهزة ، ليس هناك عنب يُعصر ، إنما بكُنْ فيكون . وإذا كانت خمر الدنيا مُحرَّمة ، وتذهب بالعقل ولها رائحة كريهة ، فخمر الآخرة لها لذة عند شربها ولا تذهب بالعقل ، فليس لها من خمر الدنيا إلا اسمها . وليس في الدنيا أنهار من خمر لأن خمر الدنيا بالأسباب ، فهو كميات قليلة بمقدار ما يُعصر من العنب أو غيره ، والحق سبحانه لما تكلم عن خمر الدنيا قال : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا … } [ البقرة : 219 ] . فالمنافع لا قيمة لها إذا ما قورنت بالمضار والحرمة ، صحيح هي تُشعرك بشيء من النشوة أو السعادة ، وتضحك وتفرح وتنسي همومك ، لكنها بعد ذلك تغتال عقلك وتسلبك وقارك . فإذا أضفتَ إلى ذلك أنها محرمة ، وأنها من أكبر الكبائر بان لك ضررها . صحيح فيها ربح لمَنْ يتاجر فيها ، لكنه ربح حرام ، لذلك جعل الله خمر الدنيا قليلة ، أما خمر الآخرة فأنهارٌ لأنها في الآخرة لذة للشاربين . { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [ الصافات : 47 ] يعني : لا تغتال العقل ، ولا ينتج عن شُرْبها أضرار ، والنزف هو إخراج شيء من شيء كمن يقيئ مثلاً بعد شربها ، أو يصيبه دوار أو صداع . { وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى … } [ محمد : 15 ] إذن : ذكر الماء أولاً لأهميته بالدرجة الأولى ثم اللبن ، لأنه يُحمل محمل الماء حتى يوجد الماء ، وهو عنصر أساسي في الغذاء ، ثم ذكر الخمر ، لأن الإنسان بعد أنْ يأكل ويشرب يحتاج في كمال السعادة كأساً من هذه الخمر . أما العسل فيأتي في آخر هذه القائمة لأن الله تعالى قال فيه : { فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ … } [ النحل : 69 ] إذن : الميزة التي تُميّز العسل ليست في طعمه وحلاوته ، بل في كونه شفاء ، والجنة لا مرض فيها . إذن : يشرب في الجنة للذته وجمال طعمه . ومعنى : { مُّصَفًّى … } [ محمد : 15 ] ليفرِّق بينه وبين عسل الدنيا الذي لا يخلو من شوائب ، لأن الإنسان يجمعه من الجبال ، فهي أول مسارح النحل { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } [ النحل : 68 ] . والعالم الأمريكي الباحث في حياة النحل وجد أن نحل الجبال هو أقدم أنواع النحل ، وما دام من الجبال فلا يخلو من شوائب ، أما عسل الجنة فمصفَّى بقدرة الذي أعدَّه سبحانه . ثم يقول سبحانه : { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ … } [ محمد : 15 ] بعد أنْ ذكر الحق سبحانه ما في الجنة من السوائل يذكر ما فيها من الثمرات دون أنْ يسميها لأننا لا نعرفها . لذلك قال في آية آخرى : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً … } [ البقرة : 25 ] يعني : ثمار متشابهة ، لكن مختلفة المذاق ، حتى لما أعطانا مثالاً بالعنب والعموميات ، فهي في الجنة غير الذي نعرفه في الدنيا . وإذا كانت الثمار عندنا لها بيئات تجود فيها ولها مواسم ، فثمار الجنة موجودة في كلِّ الأوقات ، فالبيئات في الدنيا من الأسباب ، أما الآخرة فبالمسبِّب سبحانه . وقوله تعالى : { وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ … } [ محمد : 15 ] بعد أنْ أعطانا ربنا سبحانه لذة المادة والقالب في الجنة يعطينا لذة أعلى هي لذة نَيْل للمغفرة من الله كرماً وتفضلاً ، لأنهم ما دخلوا الجنة إلا بالمغفرة ، لكن قد يذكر أحدهم ذنبه فيقول له : أنت مغفور لك . وقد ورد في الحديث القدسي أنه بعد أنْ يدخل أهل الجنة الجنة يسألهم ربُّ العزة سبحانه : " أرضيتم يا عبادي ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب ، وقد أعطينا كذا وكذا فيقول : الآن أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً " . ثم يضعنا الحق سبحانه أمام هذه المقارنة بين أهل الجنة وأهل النار ، فيقول : { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] يعني : أيهما أفضل ، واحكم أنت وسنرتضي حكمك . هذه هي الجنة أو مثل لها : أتستوي مع مقابلها وهو الخالد في النار ؟ { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] فكما ذكر الماء أولاً في الجنة ذكره أيضاً أولاً في النار والعياذ بالله . وكلمة { وَسُقُواْ … } [ محمد : 15 ] ولم يقُلْ شربوا لأن الشرب طواعية واختيار ، إنما { وَسُقُواْ … } [ محمد : 15 ] يعني : رغماً عنهم ودون إرادتهم ، مثل ما تعطي الولد الصغير الدواء فتسقيه له على كُرْه منه . { مَآءً حَمِيماً … } [ محمد : 15 ] الماء معروف أنه يُشرب للارتواء ويُشرب بارداً ، أما ماء جهنم والعياذ بالله فهو حميم يعني : تناهتْ حرارته ، فكيف بهم وهم في النار ويريدون أنْ يُبردوا حرارة أجوافهم فيسقْون الحميم الذي يزيدهم حرارة فوق حرارة النار . لذلك قال تعالى في آية أخرى : { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ … } [ الكهف : 29 ] . ثم يبين أثر هذا الماء الحميم { فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] وليتها قطعتْ وانتهت المسألة ، إنما هم في عذاب مقيم دائم لا يُفتَّر عنهم . { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ … } [ النساء : 56 ] والأمعاء جمع معى بكسر الميم ، وقد ورد في الحديث الشريف قول سيدنا رسول الله : " المؤمن يأكل في مِعىً واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء " يعني : المؤمن يأكل على قدر حاجته أو في أكله وفي طعامه بركة ، أما الكافر فيأكل حتى تمتلىء بطنه .