Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 25-26)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحديث هنا عن المنافقين ، وقد بيَّنا أن النفاق لم يظهر في مكة رغم عدائها للدين ، لكنه ظهر في المدينة التي احتضنته ، ومنها انطلق للعالم كله ، والسبب في ذلك أن الضعيف لا يُنَافَق إنما يُنَافَق القوي ، فلما قوي المسلمون في المدينة وُجد بينهم النفاق . يقول تعالى عنهم : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ … } [ محمد : 25 ] يعني : كانوا مؤمنين باللسان إنما قلوبهم ليستْ مؤمنة { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى … } [ محمد : 25 ] ظهر لهم الحق والرشاد والصراط المستقيم الذي جاء به محمد . { ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ … } [ محمد : 25 ] سول لهم يعني : هيأ لهم وزيَّن لهم وحسن في نظرهم هذا المسلك المنحرف عن الحق فسوَّل بمعنى وسوس ، كما قال تعالى حكاية عنه : { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الأعراف : 16 ] وقال : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] . ثم يلزم حدوده فيقول { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ ص : 83 ] فهؤلاء لا سلطان لي عليهم ولا مدخل لي إليهم . والعجيب أن يكشف إبليس عن خططه في الإغواء ، فيقول : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الأعراف : 16 ] يعني : في طريق الطاعة ليفسدها عليك ، لذلك قلنا : الشيطان يأتي المسجد ولا يأتي الخمارة . وقال : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ … } [ الأعراف : 17 ] من كل ناحية ، وبأيّ شكل ومن أيّ باب يجد فيه ضعفاً منك يأتيك من باب المال وحب التملك ، أو من باب النساء ، أو من باب الشهرة وحب الظهور … إلخ فلكل واحد من الناس مفتاح يدخل إليه من خلاله . ومن رحمة الله بنا أن علَّمنا كيف نتحصّن منه ، فقال تعالى : { وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ … } [ الأعراف : 200 ] لأنك لا تقدر على ردِّه بنفسك فاستعن عليه بمَنْ خلقه ، فإذا استعذت بالله منه خنس وتضاءل ، لذلك سماه الوسواس الخناس . أما إنْ حاولت ردّه عنك بنفسك فإن المعركة بينكما ستطول ، لأنه أقوى منك وصاحب خبرة في الغواية والإضلال يُلوّن لك الوسائل ويلف حولك الحبال من حيث لا تدري حتى يُوقعك في مصائده . ومن غباء الشيطان أنْ يكشف لنا خططه في الإغواء ، فالذي يدبر لك خطة ليوقعك بها لا يكشف عنها ، لكنه أراد من ذلك أنْ يقيم الحجة على كل مَنْ طاوعه وسمع كلامه ، لذلك سيقول بعد ذلك : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ … } [ إبراهيم : 22 ] . والإنسان يستطيع أن يعرف مصدر الوسوسة ، أهي من نفسه أم من الشيطان ؟ فالشيطان يريدك عاصياً على أيّ لون وبأيِّ طريقة ، فإذا لم يفلح معك من باب المال جاءك من باب الشهرة ، فإنْ لم يفلح جاءك من باب النساء ، وهكذا حتى يوقعك . أما النفس فلها شهوة بعينها تقف بك عندها وتلح عليك . ثم تلاحظ أن الشيطان - كما قال - يأتيك من كل اتجاه إلا من جهتين ، هما أعلى وأسفل ، لماذا ؟ قالوا : لأنهما يمثلان العلاقة بين العبد وربه ، حيث سمو الألوهية حيث يتجه بنظره إلى أعلى وذل العبودية حين يسجد واضعاً جبهته على الأرض اعترافاً لربه بالعبودية ، لذلك لا يأتي من ناحيتهما الشيطان . وقوله : { وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } [ محمد : 25 ] أمهلهم وأمد لهم الأماني ليستمروا في ضلالهم ويتمادوا في شهواتهم { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ … } [ محمد : 26 ] هم اليهود : بنو النضير وبنو قريظة { سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ … } [ محمد : 26 ] أي : نؤيدكم ونساندكم في بعض الأمور التي تعرقل مسيرة دعوة محمد . وفي آية أخرى بيَّن الحق سبحانه ما أبهمه في كلمة بعض الأمر حيث قال سبحانه : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } [ الحشر : 11 - 12 ] . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } [ محمد : 26 ] أي : ما يُسرون وما يُخْفُون من الكيد للإسلام ، وما دام أن الله يعلم ذلك فسوف يبطله .