Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 11-12)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا إخبار من الله تعالى بغيب يخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم ويعلمه بما سيقوله هؤلاء ، والمخلّفون جمع مُخلّف وهم الذين طلب منهم الخروج مع رسول الله لأداء العمرة فلم يخرجوا وتعللوا بعدها بهذه الحجج التي كشف القرآنُ زيفها وكشف نواياهم وما كان يدور في نفوسهم . والأعراب هم البدو وسكان البادية ، وقولهم : { شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا … } [ الفتح : 11 ] يعني : عن الخروج معك . وقولهم : { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا … } [ الفتح : 11 ] دلَّ على أنهم أذنبوا وأخطأوا ، وإلا ما طلبوا من رسول الله أن يستغفر لهم . والواقع أنهم كاذبون في هذا ، فما شغلتهم الأموال ولا الأولاد إنما خافوا على أنفسهم الخروج ، لأنهم ظنوا في أنفسهم أن رسول الله لن يرجع من هذه العمرة ولن يعود إلى أهله ، لأن قريشاً تتربص به ومعهم جماعات من الأحابيش ومن ثقيف وكنانة وغيرها . فقالوا في أنفسهم ما أخبر الله به { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً … } [ الفتح : 12 ] لذلك بُهت من قال هذا الكلام لما سمع الله يخبر به ويكشف مكنونات صدورهم . والعجيب أن هذا الإخبار { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ … } [ الفتح : 11 ] نزل في قرآن يُتلى علانية ويسمعه هؤلاء المخلفون ، وكان بأيديهم ألاَّ يتعللوا بهذه الحجج لكن صدق الله وقالوا بالفعل ما أخبر القرآن به . هذه كما حدث تماماً في قوله تعالى في مسألة تحويل القبلة { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا … } [ البقرة : 142 ] . سمع اليهود هذا الكلام وسمعوا هذا الوصف ، ومع ذلك قالوا ما أخبر الله به وصدقوا على أنهم سفهاء ، فهذه وأمثالها من علامات صدق القرآن الكريم ، فالذي يتكلم به هو الذي يعلم ما سيحدث في المستقبل ويخبر به قبل أنْ يقع ثم يأتي الواقع موافقاً لما قال . قالوا : كان هؤلاء المخلَّفون من سبع قبائل أظن ، منها أشجع ومزينة وهوازن وبخع وأسلم وغيرها . هؤلاء قالوا : إن محمداً ألقى بنفسه في التهلكة ، ولن يعود من هذه العمرة لما يعلمون من القوة التي تواجهه فتخلَّفوا ، في حين أنهم كانوا يتمنون الخروج إلى خيبر ، حيث الغنانيم والأموال التي لا حَصْرَ لها هناك . وقوله تعالى : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ … } [ الفتح : 11 ] أي في قولهم : { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا … } [ الفتح : 11 ] فهذه الكلمة باللسان فقط ، فهم لا تهمهم المغفرة ولا يفكرون فيها . ثم يُبيِّن لهم الحق سبحانه حقيقة الأمر : { قُلْ … } [ الفتح : 11 ] يعني : قُلْ لهم يا محمد { فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً … } [ الفتح : 11 ] . هذا استفهام للتعجب أو للتوبيخ يقول لهم : مَنْ يردُّ عنكم قضاء الله ومَنْ يدفع عنكم الضر إنْ أصابكم في أموالكم أو في أهليكم ، من ؟ لا أحد . كذلك لا أحد يمنع عنكم النفع إنْ أراده الله لكم ، إذن : هذه حجة باطلة لا تُجدي ، وكذب لا فائدة منه { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } [ الفتح : 11 ] يعني : لا يَخْفى عليه من أموركم شيء . ثم يُؤدبهم بأنْ يكشف عن الكلام الذي أسرُّوه بعضهم إلى بعض فيقول : { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ … } [ الفتح : 12 ] أي : يرجع { ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً … } [ الفتح : 12 ] ويُؤكدون ظنهم لاقتناعهم به { وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ … } [ الفتح : 12 ] أي : زيّنه بعضكم لبعض ، أو لقي استحساناً منكم . { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ … } [ الفتح : 12 ] أي : الظن الفاسد والمراد به أن رسول الله لن يعود إلى أهله ولا المؤمنون معه ، وهذا يعني النهاية لمسيرة الدعوة . { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً … } [ الفتح : 12 ] يعني : مثل الأرض البور التي لا خَيْرَ فيها ، فأنتم مثل هذه الأرض أهل فساد لا خيرَ فيكم .