Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحديث هنا عن بيعة الحديبية التي كانت عند شجرة الرضوان التي قال الله فيها في نفس هذه السورة { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } [ الفتح : 18 ] . إذن : الفتح الذي نحن بصدده ظهرت بشائره في هذه البيعة في بداية الفتح الأعظم ، لذلك لما اعترض سيدنا عمر وقال لسيدنا رسول الله : لِمَ نُعطِ الدنية في ديننا ؟ نهره الصِّديق أبو بكر وقال له : الزم غرزك يا عمر . يعني : لا تتعد حدودك واعرف مكانك . وكان الصِّديق يقول : والله ما كان فَتْحٌ في الإسلام أعظمَ من فتح الحديبية ، لماذا ؟ لأنه الذي مهَّد لفتح مكة ، ولكن الناس وقتها لم يتسع ظنهم لما بين محمد وربه ، ومن طبيعة الناس العجلة . أما الحق سبحانه فلا يعجل بعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد ، وتعلمون قصة السيدة أم سلمة " لما دخل عليها سيدنا رسول الله مُغْضباً ، فقالت له : ما أغضبك يا رسول الله ؟ قال : هلك المسلمون يا أم سلمة أمرتهم فلم يمتثلوا . قالت : يا رسول الله إنهم مكروبون جاءوا على شوق لرؤية الكعبة ، ثم يُمنعون عنها وبينهم وبينها كذا وكذا ، اعذرهم يا رسول الله وانظر إلى ما أمرك الله به فافعله ولا تكلم أحداً ، فإنهم إنْ رأوك فعلتَ فعلوا " . ونحجت خطة أم سلمة ونجى المسلمون من فتنة كادت تهلكهم ، صحيح هي عصبية إيمانية وأمر في ظاهره يُرضي رسول الله ، لكن إنْ كان الأمر الأعلى من الله فهو أَوْلى بالسمع والطاعة . لذلك قالوا : من الشجاعة أن تجبن ساعة ، هَبْ ونحن جالسون في مكان وبيننا أكابر وعظماء ودخل علينا مجرم وفي يده مسدس وأمرنا بالقيام وهددنا ، ماذا نفعل ؟ لابّد أنْ نمتثل لأمره في هذا الموقف حتى لا نخاطر بأنفسنا . فهناك شجاعة على الغير ، وشجاعة على النفس ، وهذه من الحنكة والسياسة ، وهذا ما فعله رسول الله وما رآه بما لديه من نورانية موصولة بالحق سبحانه . وكان هذا الصلح رفعة للإسلام وإعلاءً لرايته مع أنهم عادوا ولم يدخلوا مكة ، ذلك لأن قريشاً كانت تتخذ من الإسلام عدواً ، ولا تسمح له بأنْ يُعبِّر عن نفسه ، والآن تفتح معه باب الحوار والمناقشة . إذن : أصبح للإسلام كيان وكلمة تُسمع ، وارتفع عن ذلّة الماضي وهوانه . كذلك كان الصلح تهدئة لقريش وإزالة لما لديها من حقد وشحناء ضد المسلمين ، فبالصلح معهم نأمن جانبهم لنتفرغ لنشر الدعوة في باقي جزيرة العرب ، وقبل أنْ يصل المسلمون في طريق عودتهم إلى المدينة بيَّن الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم المسألة ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ … } [ الفتح : 10 ] . والمبايعة عقد بين طرفين واتفاق ، والبيع أمر محبوب للإنسان على خلاف الشراء ، لذلك قال تعالى في الجمعة { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ … } [ الجمعة : 9 ] لأنك تحب أن تبيع ، أما الشراء فلا تحرص عليه كما تحرص على البيع وقد تشتري وأنت كاره . إذن : يبايعونك يعني : يعقدون معك عقد بيع ، هذا العقد شرحه الحق سبحانه في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ … } [ التوبة : 111 ] . إذن : عقدوا هذه الصفقة مع الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ … } [ الفتح : 10 ] لأنك يا محمد لا تأخذ شيئاً لنفسك ، إنما تأخذ لمنهج الله الذي أرسلك به وبعثك من أجله . فبيعة الرسول هي في الحقيقة بيعة لله ، لذلك قال : { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ … } [ الفتح : 10 ] أي : فوق الأيدي التي امتدتْ لتبايع رسول الله ، فكانت يد الله فوق يد الجميع ، لأن المنة هنا من الله فلا تظنوا المنة منكم بأن بايعتم ، بل المنة من الله عليكم ، ويده فوق أيديكم وهو الذي ساق لكم هذا الخير الذي يُسعدكم في الدنيا وفي الآخرة . واليد هنا ليست هي اليد التي نعرفها كأيدينا ، بل هي يد المنَّة والمعروف ، كما تقول مثلاً : فلان له علىَّ يد . يعني : نعمة أو مكْرمة وجميل . وقوله : { فَمَن نَّكَثَ … } [ الفتح : 10 ] أي : نقض عهده { فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ … } [ الفتح : 10 ] فهو المضار ، لأن الله تعالى لا يضره شيء من أفعال العباد ، لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية . وفي المقابل : { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ … } [ الفتح : 10 ] يعني : وفَّى وكان عند العهد الذي أخذه على نفسه { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً … } [ الفتح : 10 ] . ذكر البخاري ومسلم هذه القصة ، وأن الحديبية مكان يبعد عن مكة حوالي 22 كم عند شجرة كانت مائلة فسميت الحديبية ، أو عند عين ماء كانوا يرتوون منها ، وأن عددهم كان ألفاً وأربعمائة ، في رواية البخاري روى سيدنا سلمة بن الأكوع أنهم بايعوا رسول الله على الموت ، وفي رواية مسلم أنهم بايعوه على ألاَّ يفروا من المعركة .