Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 14-14)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول البلاغيون : في الآية أسلوب قصر بتقديم الخبر الجار والمجرور على المبتدأ { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الفتح : 14 ] أي : لله وحده وملكيتها مقصورة عليه سبحانه دون شريك ، ومادة ملك تأتي بضم الميم وفتحها وكسرها ، أما اللام فساكنة . نقول : ملك بالكسر يعني : ما تملكه وتملك التصرف فيه ، إنما مُلك الضم فهو لَمَنْ يملك الشيء ويملك مالك الشيء ، وهذه لله عز وجل . أما مَلك بالفتح فهي بمعنى المقدرة كما جاءت في قوله تعالى : { مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا … } [ طه : 87 ] أي : بإرادتنا ولكننا كنا مجبرين . وهذه الآية جاءت هنا للظرف { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الفتح : 14 ] وجاءت في موضع آخر للمظروف { لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } [ التغابن : 1 ] لأن السماوات والأرض ظرف لأشياء كثيرة . ومعلوم أن المظروف يكون أنفسَ من الظرف الذي يحفظه ، كما قلنا : إن ما في الخزنة أنفسُ منها وأغلى ، وإلا ما حُفظ فيها . فإذا كانت السماوات والأرض فيها من العجائب ما لا يُحصى ، فما بالك بما فيها من مخلوقات لله تعالى ، وها نحن كل يوم يكتشف العلماء شيئاً جديداً في خَلْق الله فيه من الإعجاز ما فيه . خذ مثلاً الهواء الذي كنا نظنه فقط لعملية التنفس ، الآن عرفنا أنه مجال واسع لموجات صوتية وضوئية ، والأثير الذي حولنا مليء بما لا حدَّ له من هذه الأشياء . إذن : ابحثوا في الظرف عن نفاسة المظروف ، ألا نراهم الآن يتجهون إلى باطن الأرض حيث الثروات الثمينة من الماس والذهب والمعادن والبترول … كذلك في الجبال الأحجار الكريمة والجرانيت والمرمر والرخام ، وفي البحار في أعماقها اللؤلؤ والمرجان . إذن { لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } [ التغابن : 1 ] فيه توجيه وإشارة للبحث في المظروف ، لكن { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الفتح : 14 ] فيه إشارة إلى وجوب النظر والتأمل في عجائب السماوات والأرض في ذاتها . وقوله تعالى : { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ … } [ الفتح : 14 ] البعض يفهم هذه الآية فهماً خاطئاً . يقول : إذن أين الاختيار ؟ والمعنى : أن الله يغفر للمؤمن الذي اهتدى لمنهج الله ، ولا يغفر للكافر الذي أعرض عن منهج الله . إذن : ساعة يقول { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 264 ] أي : لا يهديهم بسبب كفرهم ، لأن الكافر قلبه مُلىء كفراً حتى لم يعُد فيه مجال للإيمان ، لأن الحيز الواحد لا يسع إلا شيئاً واحداً ، فكان عليه أنْ يُخرج الكفر من قلبه قبل أنْ يبحث قضية الإيمان . فإذا تجرَّد قلبه من الهوى وناقش نفسه ، وقارن بين الكفر والإيمان ، ثم يُدخل ما اطمأن إليه منهما كان ولا بدَّ أنْ يختار الإيمان ، لذلك نقول : إن الكافر لم يترك للمناظرة العقلية بينه وبين نفسه مجالاً . واقرأ في ذلك قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ … } [ سبأ : 46 ] ما هي { أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ … } [ سبأ : 46 ] . إذن : الحق سبحانه لا يرضى لنا غوغائية التفكير ، ولا يرضى لنا المراءَ و الجدلَ العقيم ، لذلك حدد كيفية النظر والتأمل والبحث ، إما أن تكون بمفردك وتناقش نفسك ، أو على الأكثر يكون الاثنان معاً ، هذا يقول وهذا يُعدِّل له ، فهما بعيدان عن المراء وعن العصبية ، وقريبان من الوصول إلى الحق . ومع أن الآية تتحدث عن المغفرة وعن العذاب { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ … } [ الفتح : 14 ] إلا أنها تُختم بالمغفرة والرحمة فهما الاغلب { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الفتح : 14 ] .