Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 1-1)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق سبحانه وتعالى هنا يتكلم بصيغة الجمع إنَّا الدال على العظمة ، ذلك لأن الله تعالى يزاول مُلكَه لا بصفة واحدة ، إنما بصفات متعددة وكمالات شتى ، في القدرة والعلم والحكمة وغيرها من صفاته سبحانه . لكن حينما يتكلم عن ذاته سبحانه يتكلم بصيغة المفرد الواحد ، فيقول مثلاً : { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ … } [ طه : 14 ] ليثبت لنفسه تعالى الوحدانية ، فإنْ تكلم عن فعل من أفعاله قال : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . ونلاحظ هنا أنه سبحانه أكد ضمير المتكلم إنَّا بقوله نحن ثم كرر الضمير في نزلنا وفي { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] ذلك ليؤكد أهمية المنهج الذي جاء به القرآن ، وأنه منهج سماوي من عنده سبحانه ، وأنه مُعجز للخلق ، وفي هذا بيان لفضل القرآن الكريم . ومادة فتح تأتي بمعانٍ متعددة ، نقول ، فتح الباب . وهذا المعنى يدل على فتح المغاليق ويكون في الأمر الحسي ، كما في قوله تعالى في قصة سيدنا يوسف عليه السلام : { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ … } [ يوسف : 65 ] . وهناك فتح معنوي في الأمر الذي يأتي بالخير كما في قوله تعالى في المنافقين : { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ … } [ البقرة : 76 ] أي : ما أعطاكم في التوراة من صفات النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة في التوراة . وهناك فتح بمعنى : حكم وفصل كما في قوله تعالى : { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [ الأعراف : 89 ] . ومن معاني الفتح : النصر كما في الآية التي معنا ، بدليل قوله تعالى بعدها : { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } [ الفتح : 3 ] لأن الدعوة حين قامت ، وعارضها كفار مكة وصَمُّوا آذانهم عنها وعاندوها استهزاءً برسول الله صلى الله عليه وسلم وإيلاماً له ولمَنْ آمن بدعوته . كان الحال كأن الباب مغلق في وجه الدعوة ، فقال الله له { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } [ الفتح : 1 ] أي : فتح ظاهر واضح ، فتح لباب انتشار الدعوة وقوتها بحيث يكون لها قوة وشوكة ومنعة ، فبعد أنْ كانت قريش تحاصرها لتقضي عليها فتح لها الباب فجابت الجزيرة العربية كلها ، وبعد أنْ كانت قريش تضيق على الدعوة الخناق أصبح العربُ كلهم يحتضنونها ويدافعون عنها . وفي آية أخرى شرح لنا مسألة الفتح هذه ، فقال سبحانه : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ … } [ الرعد : 41 ] يحكم بنصرة الإسلام وانتشاره في بقاع الأرض ، وإذا حكم الله وقضى فلا رادَّ لقضائه ، ولا مُعقبَ لحكمه { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا … } [ فاطر : 2 ] وما دام أن الله فتح فلا يضرك أنْ يغلق البشر . الفعل فتح يتعدى بنفسه في الفتح الحسيِّ نقول : فتح الباب ويتعدى باللام كما في { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ . . } [ الفتح : 1 ] أي : نصرناك ويتعدَّى بـ على في الأمور المعنوية ، وفي الخيرات يسوقها الله إليك ويُنزلها عليك . لذلك مشهور في الدعاء أن نقول : فتح الله عليك ، كأن الخيرات ستنزل عليك كالمطر ينزل على رأسك ، ومن ذلك قوله تعالى مع الفارق بين الحالين : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ … } [ الأنعام : 44 ] يعني : أتيناهم بالخيرات من كل ناحية { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ … } [ الأنعام : 44 ] أي : فرح البطر والتعالي { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ الأعراف : 95 ] . لأنه كما سبق أنْ قلنا : إذا أردتَ أنْ تُوقع برجل لا تُوقعه من على الحصيرة مثلاً ، إنما ترفعه إلى أعلى ليزيد الإيلام ، كذلك هؤلاء فتح الله عليهم أبواب الخيرات من كل ناحية ليؤمنوا ، لكنه نسوا ما ذكِّروا به ، فأخذهم أخْذ عزيز مقتدر . والنعمة إذا لم تُقابل بالشكر انقلبتْ إلى نقمة { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 6 - 7 ] والأخذ حال النعمة والرفاهية أنكى وأوجع من الأخذ حال الفقر ، فالأخذ مع النعمة فيه يأسٌ بعد إطماع ، مثل السجين الذي يطلب الماء لشدة عطشه ، فيأتي له الحارسُ بكوب الماء حتى يقترب من فمه فيُريقه على الأرض . وقوله تعالى : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ … } .