Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 28-28)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الهدى هو الدلالة على طريق الخير الموصِّل للغاية التي تسعد صاحبها في الدنيا والآخرة ، وقد أُرسل سيدنا رسول الله بالهدى للناس كافة فدلَّ الجميع ، فمَن اهتدى بهداه أعانه اللهُ وزاده هدى { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] ومن انصرف عنه واختار الضلال زاده الله ضلالاً بأنْ ختم على قلبه . ومثّلنا لذلك بشرطي المرور حين يرشدك إلى الطريق ، فإنْ سمِعتَ كلامه واهتديتَ بدلالته لك زادك وصحبك حتى يُوصِّلك إلى غايتك ، وإنْ انصرفت عنه ولم تأخذ برأيه تركك ومصاعب الطريق ، وربما رآك على الطريق الخاطئ ، فلم ينصح لأنك لم تسمع له . والقرآن الكريم لما تكلم عن الهدى قال : { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ … } [ البقرة : 5 ] وهذا المعنى يُصحح الفهم الخاطىء عند البعض ، حيث يروْنَ أن الهدى عبء على صاحبه ومشقة وتكاليف وتقييد للحرية . لكن الهدى في الواقع غير ذلك ، الهدى مطيّة تحملك إلى غايتك ، فأنت على هدى يعني مُستْعل عليه تركبه ليوصِّلك ، فالمنهج وإنْ كان في ظاهره يقيد حركتك ، إلا أنه يُقيدها لصالحك أنت ويقف ضد شهواتك لصالحك أنت . المنهج حين يقيد يدك عن السرقة يقيد يد الناس جميعاً ، أنْ تسرق منك ، وحين يأمرك بغضِّ البصر عن محارم الناس يأمر الناسَ جميعاً بغضِّ البصر عن محارمك . إذن : أنت الفائز في هذه المسألة . المنهج يقيد حركتك عن شهوة عاجلة في الدنيا ليعطيك نعيماً باقياً في الآخرة . وقوله : { وَدِينِ ٱلْحَقِّ … } [ الفتح : 28 ] أي : الإسلام ، والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير . { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ … } [ الفتح : 28 ] يُعليه ويُعلي كلمته على كل الأديان التي سبقتْه ، لأن القرآن جاء مهيمناً على كل هذه الكتب ، كما قال تعالى : { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ … } [ المائدة : 48 ] . والظهور هنا ظهور حجة وبرهان ، وظهور كمال في التعاليم وفي المنهج ، وهذا لا يمنع وجود ديانات أخرى ما زالتْ حتى الآن وبعد أربعة عشر قرناً من الإسلام . لذلك سُئلنا هذه السؤال في إحدى سفرياتنا ، فقلنا { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ … } [ الفتح : 28 ] لا تعني أنْ يكون الناسُ جميعاً مسلمين ، لأن الظهور هنا ظهور تعاليم ، وحدث هذا بشهادتكم أنتم فقد ألجأتكم قضايا الحياة إلى منهج الإسلام حيث لا حلَّ لكم إلا فيه . لذلك رأيناهم يأخذون مثلاً بأحكام الطلاق في الإسلام ، وهذا إظهار للدين لأنهم أخذوا تعاليمه دون أنْ يؤمنوا به ، كذلك في مسألة تعدد الزوجات كانوا يهاجمونها ويتعرضون عليها والآن ينادون بها . والعجيب أنهم يرضوْنَ بتعدد الخليلة يعني العشيقة ، ولا يرضون بتعدد الحليلة أي الزوجة ، وهذا فساد في الطبع والذوق وتصرُّف تأباه الشرائع . كذلك في الناحية الاقتصادية ، لما تكلَّم كِنز ملك الاقتصاد عندهم انتهى إلى القول بأن المال لا يؤدي وظيفته الاجتماعية في الكون إلا إذا انخفضتْ الفائدة إلى صفر ، وهذا هو رأي الإسلام . لذلك حرَّم التعامل بالربا لأن الربا عملية بين غني وفقير ، غني عنده فائض يُقرض ، وفقير مُعدم يقترض ، فكيف نطلب من الفقير الذي لا يملك الأصل أنْ يعطي الغني الذي يملك الأصل وزيادة . ثم هَبْ أن الفقير أخذ المال ليستثمره في التجارة ثم خسرتْ هذه التجارة . إذن : يكون مطلوباً منه أن يسدد رأس المال ثم الفوائد إلى جانب جهده الذي راح هباءً طوال مدة التجارة . إذن : كم مصيبة حَلَّتْ به ؟ إذن : تحريم الربا يُقدِّر أولاً مصلحة الفقير ، ويُقدِّر أيضاً مصلحة الغني في كل شيء لأنك إنْ كنتَ قادراً فأقرضتَ نظرت إلى حال الغني . لكن قد تتقلب الأوضاع ، ويصير الغنيُّ فقيراً يحتاج إلى أنْ يقترض . إذن : ليس من مصلحته أنْ يتعامل بالربا . وقوله : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [ الفتح : 28 ] يعني : شهادته كافية ، لأن الشاهد حينما يشهد يشهد بما رأى ورؤيته محدودة ، إنما حين يشهد الله فهي شهادة العلم المحيط إحاطة تامة ولا يوجد من يغيرها ، لكن { شَهِيداً } [ الفتح : 28 ] على ماذا ؟ قالوا : على أن الذي يتبع الهدى مصيره إلى الجنة ، وهي دار النعيم الدائم الذي لا ينقطع ، والنعمة التي لا تزول .