Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 5-5)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يُروى أنه لما نزلت : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [ الفتح : 1 - 2 ] قال الصحابة : هنيئاً لك يا رسول الله ، هذا ما أعده الله لك ، فماذا أعدَّ لنا ؟ فنزلت : { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا … } [ الفتح : 5 ] هذا ما لهم . وقد وقف المستشرقون عند قوله سبحانه : { وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ … } [ الفتح : 5 ] وقالوا : كيف يُكفِّر عنهم سيئاتهم وقد أدخلهم الجنة بالفعل ؟ إنهم لا يدخلون الجنة إلا بعد أنْ كفَّر عنهم سيئاتهم . نقول : المعنى يسترها عليهم حتى لا تُنغِّص معيشتهم في الجنة ولا موقفهم من ربهم عز وجل ، أو يسترها عنهم فينسوها حتى لا يخجلوا منها ، كما لو أنك أحسنتَ إلى مَنْ أساء إليك . فكلما زدتَ في الإحسان إليه زاد تأنيباً لنفسه ، لذلك يستر اللهُ عنهم سيئاتهم ، فلا يذكرونها حتى لا تُنغص عليهم ما هم فيه من لذة النعيم . وهنا ملحظ في { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ … } [ الفتح : 5 ] أولاً اللام هنا للتعليل كما في قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] فالعلة في الخَلْق هي العبادة ، أما القول بأن أفعاله تعالى لا تُعلل نقول : لا تُعلل بعلة ترجع إلى نفعه سبحانه إنما إلى نفع غيره ، إذن تعلل . ثم ذكر المؤمنات هنا بعد المؤمنين ، فلماذا خصَّهن بالذكْر مع أن العادة أن النساء يُذكرنَ في الحكم في طََيِّ الرجال في أغلب آيات القرآن ، كما في { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ البقرة : 104 ] ولم يقُلْ : يأيتها المؤمنات ، لأن المرأة مستورة في الرجل ، ولا تُذكر إلا إذا كان لها حكم خاص بها ، فلماذا إذن ذكرها هنا ؟ قالوا : لأن المقام مقامُ حديث عن الجهاد بدليل قوله تعالى : { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } [ الفتح : 3 ] والمرأة لا تجاهد ، لذلك ذكرها الحق سبحانه ليؤكد على أن لها أجراً في الجهاد ، ولينزع عنها الشكّ في هذه المسألة . وقوله سبحانه : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ الفتح : 5 ] بيّنا أن هذه الآية أتتْ بلفظ { تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ التوبة : 100 ] وهذا ليس تكراراً للمعنى الواحد إنما لكل منهما معنى ، فالماء حينما يجري من تحتك تطمئن إلى استمراره ، فلن يقدر أحدٌ أنْ يمنعه عنك لأنه ناشىء في ملكك . إنما { تَجْرِي تَحْتَهَا … } [ التوبة : 100 ] ربما كان يجري من مكان بعيد عنك ويمر عليك ، فتخشى أنْ يُمنع عنك . وقوله : { خَالِدِينَ فِيهَا … } [ الفتح : 5 ] ليُذهب ما في نفسك من الخوف من فوات النعيم ، لأن نعيم الدنيا مهما كان يُنغِّصه عليك مخافة أنْ يفوتك أو تفوته أنت ، فالله يطمئنك على أن نعيم الجنة دائم لا ينقطع وخالدٌ لا يفنى ، فلا يفوتك بأنْ يذهب عنك ، ولا تفوته أنت بالموت . لذلك سمَّاه فوزاً عظيماً { وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً … } [ الفتح : 5 ] ما بالك حين يُوصف الفوز بالعظمة ؟ وما بالك إنْ كان هذا كله عند الله ؟ فالعطاء يكون على قدر المعطي ، إنك تُسر وتسعد حينما يرضى عنك مسئول كبير مثلاً ، وتُسر حينما تحسن إلى شخص فيعطيك هدية أو مكافأة ، فكيف إذا كافأك الله ؟ لذلك دائماً أذكر يوم أنْ ذهبنا مع بعض الوزراء إلى سان فرانسيسكو وذهبنا إلى فندق فخم تعجَّب الجميع من هيئته وجمال تصميمه وما فيه من إمكانيات ، فلما رأيت الإعجاب في أعينهم قُلْتُ لهم : خذوها دليلَ إيمان وقولوا : هذا ما أعدَّه البشر للبشر ، فكيف بما أعدّه ربُّ البشر للبشر ؟